علي مدار الأسبوع الماضي انشغل المراقبون لتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بالحديث المتزايد عن الضمانات والمحفزات التي عرضتها شفاهة وزيرة الخارجية الأمريكية علي رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته الأخيرة إلي واشنطن، وما تبع ذلك من جدل حول مدي جديتها وهو ما دفع السيد نتنياهو إلي المطالبة بنص مكتوب في هذا الشأن، وحول هذا الموضوع تثور في الذهن العديد من الملاحظات الجوهرية نجمل أبرزها فيما يلي: 1. دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة علي تقديم ضمانات ومحفزات للطرف الإسرائيلي في مراحل حاسمة من تاريخ الصراع في المنطقة بهدف تسهيل مساعيها الدبلوماسية في المنطقة، فقد كان هذا هو الحال إبان سياسة الخطوة خطوة التي وضع أسسها وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، خاصة مع التوقيع علي اتفاقية فصل الاشتباك الأولي علي الجبهة السورية عام 1974، واتفاقية فض الاشتباك الثانية علي الجبهة المصرية عام 1975، كذلك أقدم الرئيس كارتر علي اتباع نفس الأسلوب خلال مفاوضات كامب ديفيد الأولي عام 1978، وتبعهما في ذلك الرئيس جورج بوش الابن لدي الإعلان عن خطة خارطة الطريق عام 2004. 2. أن الهدف المُعلن وراء ما يتم الحديث عنه يثير الدهشة بالنظر إلي نوعية الحدث الذي ارتبطت به الضمانات التي يدور الجدل حولها، فوفقاً لما هو متاح من معلومات يقتصر المطلب الأمريكي الرئيسي في قيام إسرائيل بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما تتمنع بعض الدوائر الإسرائيلية عن القبول به استناداً إلي ضرورة أن يتم استبعاد مدينة القدس من التجميد المقترح من جانب، وتعهد الولاياتالمتحدة بعدم العودة لتكرار نفس المطلب بعد مضي الفترة المطلوبة من جانب آخر. وبعبارة أخري، فإن الموقف الإسرائيلي من المقترح المشار إليه يهدف إلي إفراغه من أي إشارة ضمنية مشجعة يمكن أن ترسلها واشنطن إلي الطرف الفلسطيني لتمكينه من العودة إلي طاولة المفاوضات، بل علي العكس من ذلك يبدو أن المفاوض الإسرائيلي يحرص علي أن تحمل موافقته علي التجميد مطالب موضوعية فيما يتصل بشكل الحدود التي يجب أن تستثني مدينة القدس بشطريها، وتوقيت زمني لا يتعدي التسعين يوماً يلزم علي المفاوض الفلسطيني أن يلتزم بها للوصول إلي اتفاق حول الحدود "الآمنة والتي تأخذ بعين الاعتبار التطورات علي أرض الواقع"، حتي لا يعود ملف المستوطنات ليعيق مسيرة السلام المرتقبة. 3. أن طبيعة المحفزات التي تم الإعلان عنها خاصة في شقها العسكري والذي يشمل عشرين طائرة متطورة من طراز إف 35، لا تتجاوز بكثير فقط طبيعة المطلب الأمريكي المحدود، بل تتخطي كذلك نطاق الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لتخاطب مخاوف أمنية إسرائيلية من مصادر خطر إقليمية أخري، وبعبارة أخري يمكن القول إنه وإن كان التحرك الأمريكي الحالي يراد وضعه في سياق المساعي الأمريكية لاستئناف مفاوضات السلام، فإنه يخاطب علي الأرجح اعتبارات أخري بعيدة كل البعد عن هذا الملف برمته. 4. يثير العرض الأمريكي في شقيه العسكري تساؤلات حول شكل ومضمون الضمانات التي يمكن أن يتم تقديمها لإسرائيل لتحقيق تسوية نهائية مع الطرف الفلسطيني وتأسيس الدولة الفلسطينية الموعودة، أما فيما يتعلق بالشق السياسي المتصل بمعارضة التحركات الفلسطينية أحادية الجانب في مجلس الأمن، فإنه يعني من الناحية العملية استمرار جهود تحقيق السلام أسيرة لعملية يتحكم في تحديد محطاتها الرئيسية طرف واحد بما ينافي الطبيعة التفاعلية بل التراكمية لأي عملية سياسية جادة. 5. أن موجة التشكيك التي تم رصدها مؤخراً في إسرائيل حول مدي قدرة وزيرة الخارجية الأمريكية علي الوفاء بمثل هذه الوعود، تبدو وكأنها تعكس رغبة في بلورة الوعود الأمريكية من قمة السلطة وليس فقط بموافقتها الضمنية، مما يسمح بضبط إيقاع التحركات المستقبلية بشكل سلس بتجنب العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية هزات غير مرغوب فيها من جانب، ويحسم بشكل واضح الموقف من ملفات الحدود والقدس والأمن من جانب آخر.