يأتي هذا المقال في سياق الجدل الدائر حول شعار «الإسلام هو الحل» الذي يرفعه التيار الإسلامي، ممثلاً في الجماعة التي توصف بالمحظورة، وهي ليس غيرها، جماعة «الإخوان المسلمين». والذي يرفع الآن بمناسبة الانتخابات البرلمانية، وسبق لهم طرحه في انتخابات عام 2005. ولقد قوبل رفع هذا الشعار بالنقد العنيف، لغموضه، واستغلال الدين الإسلامي في معارك لا تليق بمبادئه وأخلاقياته، وقيمه السامية، ومقاصده وغاياته التي تتسامي عن ألاعيب السياسة والانتخابات، كما أن الشعار يحمل في طياته ما يثير الفتن الطائفية، ويضع مختلف التيارات السياسية الأخري التي لا تتبني هذا الشعار موضع الشبهات، والطعن علي دينها بل قد يصل الأمر إلي حد الحكم عليها بالكفر، تحت ادعاء رفضهم للإسلام الذي يرفعه هذا الشعار. كما يري هؤلاء الناقدون لرفع هذا الشعار، إنه سبق طرحه في بلدان إسلامية أخري، وكانت المحصلة: اقتتالاً، وتقسيمًا وتفتيتًا وتشرذمًا وإرهابًا، باختصار لم يجن الإسلام من وراء هذا الشعار سوي التشويه، والتخريب والتدمير للبلدان التي رفعت هذا الشعار بفعل المؤامرات والتمزقات وضربات الإرهاب باسم الإسلام. وكل هذا يكشف عن بعض مخاطر التوظيف السياسي للإسلام، ونضيف هنا بعض الحقائق التاريخية التي تؤكد هذه المخاطر، وفي القلب منها ما حدث في القرن الأول الهجري عندما تم «رفع المصاحف» للتحكيم فيمن يخلف المسلمين، وحدثت يومها تلك الخدعة الكبري، وما أطلق عليه في تاريخ المسلمين «الفتنة الكبري» التي راح ضحيتها الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وغيره من ضحايا المسلمين. كما حدث هذا التوظيف طوال عهود السلاطين، ويومها تم توظيف رجال الدين لإصدار الفتاوي التي تدعم هذا السلطان أو ذاك، وتخلع عليه القداسة باعتباره أمير المؤمنين، وخليفة الله في أرضه، حتي ولو كان حدثا صغيرًا، أو عبدًا مملوكًا. وهذا ما عاشته شعوبنا الإسلامية عبر تاريخها الطويل، وعانت منه الويلات، خاصة في عصور التخلف والقهر. إلي آخر هذه الأحداث التي تؤكد خطورة التوظيف السياسي للإسلام، وللأديان بصفة عامة، بل إن هذا التوظيف يخلط بين أمرين لا يمكن بحال من الأحوال الخلط أو الجمع بينهما، وهما «الدين» و«السياسة»، فالدين - أي دين - هو في جوهره عقيدة لها ثوابتها التي لا يمكن تعديلها أو تغيير أصولها بتغير الزمان والمكان. أما السياسة فهي في جوهرها - وكما هو معروف لدي أهل الاختصاص - فن إدارة الممكن والتغير المستمر لتغير الظروف والمواقف والتحولات المحيطة بها وكل ما تقوم عليه من مبادئ ومفاهيم يتميز بالنسبية والتي يمكن عدم العمل بها إذا ما استجدت معطيات وحقائق جديدة. باختصار السياسة تتعامل مع المتغير والنسبي أما الدين فيتعامل مع الثابت وينشد اليقين. وبالتالي لا يمكن الجمع بينهما لأن لكل منهما غاياته ومقاصده وآلياته. وفي هذا السياق نري أن رفع شعار «الإسلام هو الحل» إنما هو من باب التوظيف الرخيص للإسلام لتحقيق أغراض ومصالح سياسية أبعد ما يكون عنها الإسلام، الذي به يعتز كل المسلمين، وليس لديهم الاستعداد للتفريط في ذرة منه، بل إن هذا الدين الحنيف تمسكا به ودفاعًا عنه هو واجب كل المسلمين لا فئة أو جماعة معينة تدعي أنها الأحق به فليس في الإسلام جماعة معينة لها حق الاستئثار به أو ادعاء الدفاع عنه، وليس في الإسلام من له حق ادعاء امتلاك الحقيقة، وإنما روعة الإسلام أنه بإمكان أبسط الناس ثقافة إدراك مقاصده العليا دون حاجة لوسطاء، فالعلاقة بين العبد والرب علاقة مباشرة، قوامها «النية الصادقة».