دائماً ما يظهر معدن الشعب المصري في وقت الأزمات، تلك المقولة توارثناها من جيل إلي جيل، ودائماً ما تصدق سواء أكانت في محيط السكن، أو الحي، أو المدينة، أو علي المستوي العام. فمهما حدث من اختلافات في وجهات النظر بين الأشقاء، فدائماً ما تكون بمثابة سحابة صيف عابرة، لا تلبث قليلاً إلا وتضمحل. بالأمس القريب كانت هناك بعض الخلافات في الرؤي ما بين بعض المسلمين والمسيحيين، أشعلتها بعض وسائل الإعلام الصفراء، ونبذها الشارع المصري عن بكرة أبيه، إلا القليل منهم الذين انساقوا وراء شائعات رددتها بعض المواقع والصحف ولكن عندما شعر المواطن المصري المسلم بأن هناك خطراً ما قد يصيب أخيه المواطن المصري المسيحي، تجده في لحظة نسيا ما حدث وهب لحماية شقيقه، مهما كلفه ذلك من مال أو دماء. وفي المقابل تكون نفس المشاعر صحيحة بالنسبة للمسيحي تجاه شقيقه المسلم. أقول هذا وأنا أتابع ردود فعل الشارع المصري مسلمين ومسيحيين تجاه المجزرة التي تعرضت لها الأحد الماضي إحدي الكنائس بمدينة بغداد. وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء أثناء حضورهم الصلاة بالكنيسة علي يد إحدي المنظمات المتطرفة التي تلبس عباءة الإسلام. والإسلام والمسلمون منهم براء. والتي زجت باسم مصر في بيانها المشبوه، محذرة الكنيسة المصرية بالتهديد والوعيد ما لم تفرج عن وفاء قسطنطين وكامليا شحاتة. وفي لحظة الحدث كانت ردود الفعل في شتي أنحاء العالم تستنكر هذا العمل الإجرامي الذي تعرضت له إحدي دور العبادة، بغض النظر عن كونها كنيسة أو مسجداً وفي مصر استنكرت القيادة السياسية علي لسان الرئيس مبارك هذا العمل كما استنكرته جميع مؤسسات الدولة السياسية والشعبية. أما المؤسسة الدينية الإسلامية فقد أصدرت بياناً رسمياً باسم الأزهر الشريف وإمامه الأكبر، أدانت فيه هذا العمل البربري مبديه أسفها البالغ وانزعاجها الشديد لنبأ العدوان الآثم من جانب بعض المسلحين علي بيت من بيوت العبادة للأخوة المسيحيين في العراق وأكد البيان أن «الإسلام يكفل حرية العبادة ويحرم العدوان علي كنائس المسيحيين ودور عبادتهم وأن هذا الأمر مقرر شرعاً وثابت عملاً منذ الفتح الإسلامي وطيلة «التاريخ ». كما أدان وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق هذا الاعتداء الغادر كل هذا جميل، لكن الأجمل كانت تلك اللوحة الجميلة التي تغيرت ملامحها بين ليلة وضحاها، ففي الجمعة قبل الماضي تجمع المئات حول مسجد الفتح عقب صلاة الجمعة ينددون بموقف الكنيسة بمن يقال أنهما أسلمتا وتحتجزهما الكنيسة داخل أحد الأديرة. أما لوحة أول أمس ففي نفس المكان ونفس التوقيت وقف المئات ينددون ببيان من يطلقون علي أنفسهم «وزارة الحرب بدولة العراق الإسلامية»» (بحسب ما جاء بالبيان) تجاه استهداف الكنيسة المصرية بالداخل والخارج، مؤكدين رفضهم القاطع لأي حدث ينال من أقباط مصر، مستنكرين ما تعرض له المصلون داخل إحدي الكنائس العراقية. ونفس الموقف تكرر من خلال الشيخ حافظ سلامة الذي كان يقود المسيرات أمام مسجد النور لنفس السبب، نراه اليوم يصدر بياناً يستنكر فيه الاعتداء علي كنيسة بغداد وتهديد الكنيسة المصرية، مشيراً إلي أن الإسلام حافظ علي دور العبادة لغير المسلمين أكثر من أربعة عشر قرناً مضت من الزمان، عاش خلالها المسلمون مع غيرهم من غير المسلمين في أمن وأمان. حقاً تلك هي مصر التي في خاطري وفي فمي، التي أحبها من كل روحي ودمي. ولكن، وكما يقول المثل الدارج «الحلو ما يكملش» نجد أحد المواقع الإلكترونية الذي سبق وأشرنا له مراراً وتكراراً، من قيامه بتأجيج روح الفرقة بين الأشقاء يكتب معلقاً علي التهديد الذي يستهدف الكنائس القبطية في مصر، وبأسلوب يدعو لزيادة الاحتقان، وبالنص» طالب البابا شنودة الثالث بتشديد الحراسة الأمنية حول جميع الكنائس، ودعمها بفرق خاصة من الكشافة المسلحة.. (مهم جداً لقب لفظ فرق الكشافة المسلحة)!! وفي اليوم التالي وفي نفس الموضوع ذكر الموقع أن البابا شنودة أشاد بدور الدولة في تأمين الكنائس دون أن يطلب منها، عكس المساجد (مهم لفظ عكس المساجد) كل هذا كان له مردود انفعالي من جانب البعض ( وهو ما يريده القائمون علي الموقع)، من خلال تعليقات القراء الذين تساءلوا هل تسمح الدولة للمساجد بتشكيل فرق الكشافة؟ - ما هي حقيقة التنظيم الكنسي المسلح المسمي بالكشافة؟ هل هناك دور لل سي أي أيه الأمريكية في تدريب الكشافة التابعة للكنائس؟..الخ في النهاية أتساءل: ماذا يريد القائمون علي الموقع من هذه الإثارة؟ في الوقت الذي ترفض فيه المؤسسة الإسلامية في مصر أي مخاطر تهدد أمن أقباط مصر، حتي من يطلقون علي أنفسهم الأخوان المسلمين «بغض النظر عن الهدف» والجماعات الإسلامية التي تنبذ العنف، والمئات الذين تجمعوا أمام مسجد الفتح، وكل الشعب المصري بمختلف طوائفه وتوجهاته.