ندوة توعوية لمركز التنمية الشبابية بالإسماعيلية حول حقوق ومسؤوليات ذوي الهمم    لدعم الطلاب الجدد.. طفرة في الخدمات المقدمة من جامعة حلوان| تفاصيل    رئيس كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف ووكيل الأزهر ومفتي الديار المصرية    تضامن الإسماعيلية: توزيع شنط وأدوات مدرسية على الطلاب ذوي الهمم    محافظ المنيا يتفقد قافلة لبيع السلع الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة    رئيس «العربية للتصنيع» يبحث مع وزير دفاع جامبيا أوجه التعاون المقترحة    مقتل 4 ضباط بجيش الاحتلال خلال معارك في جنوب قطاع غزة    محمد بركات يكتب: أمريكا وجرائم إسرائيل    مدافع الزمالك يعلق على إشادة الجماهير والمنافسة مع مدافعي الفريق    وصول حافلة الزمالك لاستاد هيئة قناة السويس لمواجهة الإسماعيلي    السجن 7 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه لتاجرة مخدرات في قنا    ننشر خطوات تجديد رخصة القيادة إلكترونيًا    محافظ المنيا: حملات مستمرة للتفتيش على الأسواق    رحاب الجمل: محمد رمضان موهوب وذكي ورفضت دور بسبب ابني وزوجي    عروض سينمائية متنوعة بمكتبة مصر العامة بفعاليات نادي سينما الإسماعيلية    «العليا للتفتيش الأمني والبيئي» تتفقد مطار شرم الشيخ الدولي    وزير الرياضة: قطاعا الصحة والرياضة ركيزتان لبناء الإنسان المصري    بعد سرقتها وصهرها وبيعها للصاغة.. 5 معلومات عن إسورة الملك أمنمؤوبي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    7 أخبار رياضية لاتفوتك اليوم    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    قبل انتخابات النواب.. الهيئة الوطنية تتيح خدمة مجانية للاستعلام عن الناخبين    رغم الحرب والحصار.. فلسطين تطلق رؤيتها نحو المستقبل 2050    بكين: لن نسمح باستقلال تايوان والعالم بين السلام والحرب    أمطار ورياح.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس غدا: «اتخذوا كافة التدابير»    تأجيل نظر تجديد حبس "علياء قمرون" بتهمة خدش الحياء العام ل 20 سبتمبر    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    هدى المفتي تخطف الأنظار بإطلالة مختلفة من كواليس إعلانها الجديد    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    مشاهدة مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد اليوم في دوري أبطال أوروبا عبر القنوات الناقلة    استمتع بصلواتك مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    المقاولون العرب يكشف عن هوية المدرب المؤقت بعد رحيل محمد مكي    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    الصحة: تقليص معدل الإنجاب وتحسين الخصائص السكانية في 7 محافظات    الاثنين.. استراحة معرفة- دبي تناقش رواية «سنة القطط السمان» لعبد الوهاب الحمادي    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة في الوادي الجديد    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    يوفنتوس يتحرك لضم برناردو سيلفا من مان سيتي    300 مليون جنيه لاستكمال مشروع إحلال وتجديد مساكن المغتربين في نصر النوبة بأسوان    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    مفوضية اللاجئين ترحب بخارطة طريق لحل أزمة السويداء وتؤكد دعم النازحين    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    سعر الأرز والفول والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«دائرة الفساد».. رجال يصعدون علي سلم الجشع

هناك معنيان للفيلم السياسي، الأول مباشر وحقيقي ويعني تلك الأعمال التي تناقش وتحلل وتراجع وتنتقد سلطات الدولة السياسية المعروفة: تشريعية وتنفيذية وقضائية، وقد يضاف إليها أيضًا سلطة الصحافة الرابعة، ودورها في بناء الرأي العام أو تضليله، أما المعني الثاني فهو واسع للغاية، ويكاد يعتبر كل فيلم روائي أو وثائقي لأنه يناقش شأنًا من شئون الناس في عصر من العصور كما يمكن من خلاله اكتشاف طبيعة النظم السياسية التي تحكم الناس في سنة إنتاج هذا الفيلم أو ذاك، وقد شهدت الصالات المصرية أحد أهم الأفلام السياسية بالمعني الأول المباشر وهو فيلم «Bagman» أو كما عرض تجاريا تحت اسم «دائرة الفساد»، وفي رأيي - أن الفيلم - وهو إنتاج كندي يقوم ببطولته الممثل الأمريكي الرائع «كيفن سباسي - أخطر وأفضل علي كل المستويات من فيلم «أوليفر ستون» الضخم «وول ستريت - 2»، كما اعتبره من أفضل الأفلام التي شاهدتها في فضح العلاقة بين السلطة والمال في دولة ديمقراطية فما بالك بما يمكن أن يحدث في الدول غير الديمقراطية، يمكنني أن أضيف أيضًا أننا أمام فيلم ذكي لا يكتفي فقط بسرد تفصيلات وقائع حقيقية عن أشخاص حقيقيين، ولكنه يخرج من العام إلي الخاص، هناك جشع فردي جعل الأفيش يحمل هذه العبارة الساخرة «in greed we trust» أو «نحن نثق في الجشع» بدلاً من العبارة الشهيرة المكتوبة علي الدولار الأمريكي «in God we trust» أو «نحن نثق في الله» ولكن الجشع الفردي يجد الفرصة والمناخ الذي يسمح بتغوّله.
لابد من الاعتراف أولاً قبل الدخول في تحليل الفيلم أن المشاهد المصري قد تزعجه بعض التفصيلات القانونية والسياسية، كما أن الحكاية كلها قائمة علي وظيفة يطلق عليها بالإنجليزية «lobfyist» ويترجمها الفيلم في مشاهده الأولي ويشرحها بأنه الشخص الذي يقوم بالضغط والتأثير علي أعضاء الكونجرس للحصول علي مصالح شخصية، ويقوم بالتأثير علي رجال القطاع الخاص لتحقيق نفس الهدف، وسيتكرر هذا المصطلح كثيرًا لأنها مهنة بطلنا «چاك أبراموف» الذي لعبه ببراعة مشهودة «كيفن سباسي»، لابد أن تعرف أيضًا أن «أبراموف» شخصية حقيقية شغلت وتشغل أمريكا، ويقضي حاليا بقية السنوات الست التي حكم عليه بها (تحديدًا 5 سنوات و10 شهور) بتهمة الاحتيال وإفساد موظفين عموميين، وقد كان أحد نجوم الحزب الجمهوري، ومن أبرز مؤيدي «چورچ بوش» الابن، ومن المنتظر أن ينهي سجنه في 4 ديسمبر عام 2010، من المهم أن تعرف أيضًا أن مخرج الفيلم «چورچ هكينلووبر» سجل 20 ساعة في السجن مع «ابراموف» الحقيقي، وزاره 4 مرات اصطحب في إحداها «كيفن سباسي» الذي سيلعب دوره، ثم قام كاتب السيناريو «نورمان سنايدر» بصياغة كل التفاصيل، والطريف أن عام 2010 شهد أيضًا فيلمًا وثائقيا عن فضيحة «إبراموف» بعنوان «كازينو چاك» أموال الولايات المتحدة، و«كازينو چاك» هو بالمناسبة الاسم الأول لفيلم «Bagman» قبل تغييره، أما معني «Bagman» فهو الرجل جامع المال، ويستخدم تحديدًا مع رجال المافيا.
هذه المعلومات سوف تسهِّل عليك المهمة، وستجعلك أكثر استمتاعًا بالفيلم المتماسك الساخر أحيانًا، سيبدأ الفيلم من رجل جشع يريد أن يصنع المال لأسرته حتي لا يصبحوا من الطبقة الوسطي أو من العبيد، ثم سنتقدم خطوة أعمق لنكتشف أن الجشع سيرتدي ثوبين: الدين والسياسة، ثم سنتقدم خطوة أكبر عندما نكتشف أن «چاك ابراموف» ليس الجشع الوحيد، وأن نجاحه الصاروخي هو ثمرة وجود عشرات الجشعين حوله أو في الكونجرس أو بين رجال الأعمال، ثم يضرب الفيلم ضربته الكبري الساخرة عندما يسقط «أبراموف» ليس بسبب يقظة النظام السياسي الأمريكي وإنما بسبب نزق بعض اتباع الرجل، وبسبب غيرة صديقة أقرب مساعديه، بل أن الذين سيحاكمون «إبراموف» وعلي رأسهم السيناتور «چون ماكين» ليسوا أقل فسادًا منه، لقد أخذ رشاوي من فئات تريد الضغط لمصلحتها، ولكنه وزّع أيضًا شيكات التبرعات علي أعضاء الكونجرس، وساعد نصف أعضائه علي الحصول علي مقاعدهم، هنا يتحول جشع شخص إلي دائرة أوسع بكثير بحيث يبدو العيب والثغرات في طبيعة النظام السياسي الذي يسمح بجماعات للضغط، وكما فهمت فإن «إبراموف» سُجن لأنه خالف القوانين الأمريكية في لعبة الضغوط المشروعة تمامًا، أي أنه يحاكم لأنه ارتكب «فاولا» أثناء اللعب، وليس لأنه لعب، وبسبب هذه النظرة الواسعة أقول إن فيلم «دائرة الفساد» والعنوان التجاري موفق جدا هذه المرة - أفضل وأنضج وأعمق وأذكي من «وول ستريت 2» الذي يعيد ويزيد في داء الجشع، والذي ينتهي نهاية شديدة السذاجة والتفاؤل.
نجاح سيناريو دائرة الفساد متعدد الحلقات، هناك أولا براعة رسم شخصية «جاك ابراموف» الذي ينتمي للمحافظين الجدد اليمينيين والذي يضفي علي جشعه تفسيرا دينيا طوال الوقت، فالله منحنا الاختيار إما أن نقبل الحياة كما هي أو نغيرها كما نريد نحن أن تكون، والله علي حد تعبيره يريد سيولة البشر، وتستدعي زوجته «بام» علي الفور فكرة العجل الذهبي الذي عبده بنو إسرائيل، وأمر الله «موسي» بإحراقه واسالته من جديد، «جاك» يهودي متدين لا يخلع «الكيباه» أو الطاقية الصغيرة، وهو أيضا مؤمن بالعائلة «لدية خمسة أبناء»، مخلص تماما لزوجته، ومخلص لثقافته اليهودية لدرجة أنه سينشيء مدرسة أطلق عليها اسم «اشكول»، وربما مخلص للصهيونية حيث سنعرف قرب النهاية أنه إبرم صفقة لبيع أسلحة لشخص إسرائيلي للتصدي لهجمات حركة «حماس».
وهناك ثانيا: البراعة في رسم شخصيات المحيطين به خاصة مساعده «مايكل سكانلين» «باري بيبر» وهو شخص يعشق النساء والثراء ويشتري لصديقته «اميلي ميللر» منزلا ضخما وعملاقا، وعندما يقبض عليه يبيع صديقه ويعترف فورا فيتم الافراج عنه بكفالة مما يجعل «جاك» يردد مقولة «هاري ترومان»: إذا أردت أن تحصل علي صديق في واشنطن فمن الأفضل أن تشتري كلبا، وهناك شخصية آدم كيدان التي جسدها ببراعة مدهشة «جون لوفيتز» المحامي المشبوه وثيق الصلة بالمافيا الذي يبدو أقرب إلي الفتوات منه إلي الأشخاص المحترمين.
ومن نجاحات السيناريو أيضا الإشارة إلي خلل النظام السياسي ممثلا في فكرة جماعات الضغط المعترف بها، وممثلا أيضا في فساد رجال الكونجرس لاعتمادهم علي التبرعات في حملاتهم، وقدم الفيلم صورة بشعة انتهازية لزعيم الأغلبية الجمهورية «توم دلاي» الذي قبل التبرعات ثم تخلي عن «ابراموف» ومن دلائل الخلل أيضا أن اكتشاف انحرافات «ابراموف» وعصابته جاء بسبب إبلاغ صديقة «مايكل» عنه لأنها اكتشفت خيانته لها، وبسبب سواء تصرف «آدم» الذي تسبب في مقتل صاحب الكازينو الشهير الذي اشتراه «ابراموف» من الباطن، صحيح أن الكونجرس يشكل لجنة لمحاكمة «ابراموف» وصحيح أن الصحافة تقوم بدورها ولكن «جاك» يفضح الجميع ويتهمهم بالغش والنفاق والتدليس، بل أنه يقول في أحد ا لمشاهد أن واشنطن هي نفسها هوليود ولكن مع رجال أكثر قبحا.
ومن أذكي ما فعله السيناريو أن بناء الفيلم بأكمله أقرب إلي اللعبة أو المغامرة، وكأن كل هذه الملايين التي يتم ابتزازها تحت اسم الضغط علي رجال الكونجرس ليتجاوز القبيلة من الهنود الحمر لبناء كازينو عملاق مجرد لعبة بلاي ستيشن، البناء كله مثل روبرتاج سريع لاهث، أو كأنه أحد أفلام هوليود عن رجال المافيا، والمعروف أن «ابراموف» من عشاق السينما، كما انتج فيلمين بطولة «دولف لند جرين» أما عن العناصر الفنية فلن أندهش علي الاطلاق إذا رُشح «كيفن سباسي» عن دوره في الفيلم لأوسكا أفضل ممثل، كما لن اندهش لو رشح البارع «جون لوفيتر» لأوسكار أفضل ممثل مساعد عن دور «آدم» الغبي الشره الأحمق، لقد اختار المخرج «جورج هكينلووبر» ايقاعاً سريعاً ومونتاجاً معبراً يمزج بين الأحداث يقدم دلالات ساخرة كأن يمتدح أحد رجال الكونجرس «نزاهة آدم» فيقطع عليه وهو يتلقي الضربات من صاحب الكازينو الذي تعرض للخداع، وكأنه يقطع من أسرة «جاك» وهي تشاهد منزلها الضخم الجديد إلي «مايكل» مع صديقته وهي تشاهد المنزل الذي اشتراه لها، كانت هناك أيضاً تكوينات رائعة مثل مساحة ملعب الجولف الخضراء التي تحتل معظم الكادر في حين يساوم «جاك» زعيم قبيلة الهنود الحمر علي المبلغ المطلوب، ومساحة اللون الأسود التي تحتل معظم الكادر أثناء استجواب «جاك» أمام الكونجرس، لاحظت أيضاً استخدام بعض اللقطات بالأبيض والأسود التي تكسر حد العالم الملون الذي عاش فيه «جاك»، والذي سينتهي بالسجن.
دخل «جاك ابراموف» السجن، ورفع «جورج بوش» الابن صديقه التماسه بتخفيف العقوبة عنه، وينتهي الفيلم بتعهده أن يكون عدواً للجمهوريين عند خروجه بعد أن رأيناه في صور متعددة مع «رونالد ريجان» و«أولفرنورث» بطل فضيحة إيران كونترا» ولكن خطورة الفيلم القوي أنه قال بوضوح أن «ابراموف» لن يكون الأخير، وأن المشكلة ليست في وجود الجشع الإنساني وحده، ولكنها أيضاً في وجود المناخ. والثغرات التي تجعله قادراً علي تحقيق أهدافه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.