لدينا منبه عجيب، يعمل بشكل جيد طالما أن بطاريته جديدة وقوية.. ولكن عندما تبدأ البطارية في الضعف تدور عقارب ساعة المنبه عكس اتجاهها المعتاد! القناة الفضائية الإخبارية تعلن تهديدات القاعدة الموجهة لمصر بعد تفجير كنيسة العراق.. وعقارب الساعة تدور في الاتجاه المعاكس.. هل ينبغي أن يرجع الزمن للوراء في بعض اللحظات الحرجة؟ يبدو أننا أحيانا نفضل أن تدور عقارب الساعة للوراء ربما تجلب أزمانا ماضية أفضل حالا من الحاضر.. لو دارت العقارب عكس اتجاهها وأعادت لنا تلك الأزمان الماضية لرأينا شكل الناس في شوارعنا مختلفاً.. فكلهم يشبهون بعضهم بعضا.. ملامح متفاوتة لكنها متشابهة.. لا تفرق بينهم سمرة البشرة ولا بسمة الثغر.. ولا تميزهم ملابس ولا رتوش.. كلهم أبناء وطن واحد لا يفرق بينهم واقع، ولا حلم.. لم يعرف الناس في تلك الأزمان سوي الأعياد التقليدية ولا كانوا يحتفلون بعيد الحب لا في فبراير ولا في نوفمبر.. ولكنهم كانوا يعيشون في مودة ومحبة دائمة لا ترتبط بأيام وشهور وأعياد واحتفالات وهدايا بقدر ما ترتكز علي مشاعر حقيقية تخلو من الزيف، ومساندة في أوقات الفرح والنجاح والحزن والضيق، ومشاركة في الحياة اليومية لا بتجاور ومزاملة، بل بصداقة صادقة ومحبة من القلب.. لم تكن توجد في الأزمان الماضية تقنيات التواصل الحديثة.. فلم يعرف الناس الموبايل، ولا رسائله.. وكان الخطاب البريدي يستغرق أياما قد تصل لأسبوع حتي يبلغ عنوان المرسل إليه في داخل البلد الواحد.. حتي خطوط التليفونات الأرضية قد تتعطل لمدة طويلة.. لم يكونوا يهاتفون بعضهم البعض، ولكنهم كانوا يتزاورون ويتحدثون.. لم يتواصلوا عبر الأسلاك ولاسلكيا ولم يتراسلوا لحظيا ولكنهم قطعا كانوا أكثر تواصلا منا.. وأقدر علي الإحساس ببعضهم البعض عنا.. لو دارت عقارب الساعة كما تعود آلة الزمن وعدنا معها إلي عصور الأبيض والأسود، قبل أن تدخل إلينا الألوان التي زيفت الأبيض والأسود واختلطت بهما فاختفيا من صور الحاضر.. لو عدنا لهذا الزمن لكان من السهل أن نميز بين ما هو أبيض مما هو أسود.. لم نكن لننخدع بكلمات ملونة، وتصريحات مزركشة وهتافات مزيفة.. لم نكن لنسير وراء تلك الصورة التي تأخذ العيون وليس بها مضمون.. بل كنا قد ميزنا بسهولة في صور أبيض والأسود بين النور والظلام.. لو عادت ساعة المنبه العجيبة إلي أزماننا الماضية التي كانت أقل ضجيجا، وأقل إعلاما، وأقل تصريحات، وأقل إثارة؛ والتي كانت أكثر حكمة، وأكثر تعقلا، وأكثر وعيا بصالح الأوطان؛ والتي كانت أقل عنفا، وأكثر تسامحا، متواضعة المظهر، وعميقة الجوهر؛ لو عادت ساعاتنا جميعا لتلك العصور لرفضت البطارية الجديدة ولتوقفت عن الدوران وبقيت في ذلك الزمان.