الدين اسم جامع شامل للموضوعات الواردة في الرسالة الإلهية، ومن هذه الموضوعات التالي: 1 الحكمة. 2 الشريعة. 3 الحكم والجزاء. 4 الملة. إن موضوعات الدين الواحد العام الشامل الوارد في الرسالة الإلهية تختلف في أمرين، هما: الأول: الاختلاف من حيث المادة الموضوعية، بمعني أن موضوع الحكمة يختلف عن موضوع الملة، وموضوع الملة يختلف عن موضوع الشريعة، وعن موضوع الحكم والجزاء، فلكل منها مادة موضوعية مختلفة عن الأخري. الثاني: الاختلاف من حيث الاستمرار، فالملة والحكمة موضوعهما واحد دائم منذ آدم وإلي محمد عليه الصلاة والسلام، لم تتغير مادتهما ولم تتبدلا، فهما دين دائم في رسائل جميع الأنبياء والمرسلين، لأن الملة فطرة خلقها الله وفطر الناس عليها، ولا يمكن أن يبدلها الله، أو يغيرها قال تعالي: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يعْلَمُونَ). (30- الروم). وقال تعالي: (وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيرَ اللّهِ تَتَّقُونَ). (52- النحل). وكلمة (واصبا) من الفعل (وَصَبَ) الذي يدل علي الدوام والاستمرار، ومنه قول الله تعالي: (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ). (9- الصافات)، أي دائم مستمر. أما الشريعة، والحكم والجزاء، فيختلفون ويتغيرون من نبي لآخر ومن رسول لآخر. قال تعالي: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). (48- المائدة). موضوع الحكمة: الحكمة كما سبق الحديث عنها في مقال: (أنواع الرسالات الإلهية)، حيث قلنا: إن الحكمة هي: جملة من القيم والمبادئ الأخلاقية السلوكية سواء المأمور بها أو المنهي عنها، والتي تنهي الإنسان عن اقتراف السلوكيات السيئة وعدم الاقتراب منها، وتحضه علي السلوكيات والقيم الإنسانية والأخلاقية السامية، وقد ذكر الله جملة من الحكمة في بعض آيات من سورة الإسراء، الآيات: (23: 39) ثم ختم تلك الآيات بقوله: (ذلك مما أوحي إليك ربك من الحكمة)، ونذكر بعضا منها علي النحو التالي: (النهي عن عبادة غير الله، بر الوالدين، الصدقة علي ذوي القربي والمساكين وابن السبيل، النهي عن التبذير. القول الطيب والميسور للناس، النهي عن البخل والإسراف، النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر، النهي عن الزني، وقتل النفس، حرمة مال اليتيم، الوفاء بالعهد، وفاء الكيل والميزان، عدم تتبع ما لا علم لنا به، النهي عن المرح والتكبر في الأرض، النهي عن دعوة غير الله). هذه القيم والمبادئ الخلقية لا تتبدل ولا تتغير من رسالة لأخري، ولا من رسول لآخر، بل هي قيم ثابتة دائمة في كل رسالات الله، منذ آدم وإلي آخر الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، وهناك الكثير غير ما ذكرنا من مفردات الحكمة في مواضع متعددة من القرآن الكريم. موضوع الشريعة: أما الشريعة فهي موضوع من موضوعات الدين العام الوارد في الرسالة الإلهية، والشريعة ليست الحكمة، وليست الملة، وليست الحكم والجزاء، وإنما هي جملة من الأوامر والوصايا، ولقد سمي الله تشريع الأوامر والوصايا ونسبتها إلي الله (دين)، سواء كانت شريعة لله حقا، أو شريعة مزعومة في نسبتها لله، إذن، فالشريعة في كتاب الله هي: جملة من الوصايا والأوامر التي شرعها الله ووصي وأمر بها، قال تعالي: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِي بَينَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (21- الشوري). وسمي الله الأمر شريعة فقال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَي شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يعْلَمُونَ). (18- الجاثية). وسمي الله الوصايا شرعاً وديناً فقال: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّي بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَي وَعِيسَي أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ). (13 الشوري). والوصية في هذه الآية التي وصي الله بها جميع الأنبياء والمرسلين هي: إقامة الدين وعدم التفرق فيه. فالشريعة مختلفة من نبي لنبي، ومن رسالة لرسالة، وهي ليست من الحكمة، وأيضا ليست من الملة التي لا تتغير ولا تتبدل في جميع الرسالات الإلهية، والتي هي الإسلام لله وحده والحنف عن الشرك به، أما الشريعة فهي متغيرة ومتبدلة من رسول لرسول ومن رسالة لرسالة، ويدل علي ذلك قول الله: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). (48- المائدة). باحث إسلامي- مقيم في أسيوط