لأن اللغة العربية هي عنوان الهوية فإن الاهتمام بها بات فرضاً علينا جميعاً، فالمخاطر والتحديات التي تواجه لغتنا الجميلة تحتاج إلي وقفة جادة وحاسمة وفورية من الجميع، فالتحديات التي تواجه اللغة العربية كثيرة ومتجددة لكنها غير مقلقة لأننا نستطيع مواجهتها بشكل مؤسسي فالثورة المعلوماتية والعولمة الثقافية تمثل حزماً من التحديات أمام اللغة العربية لكن جزالة ومرونة وجمال هذه اللغة جعلها تتفاعل مع كل تلك المتغيرات بسهولة ويسر. أما عن حزمة المخاطر التي تواجهها اللغة العربية فهي التي تقلق حقاً، إنها مخاطر صنعناها بأيدينا وآن لنا أن نتخلص منها علي وجه السرعة، إن لغة الشارع ولغة المنزل ولغة المدرسة ولغة وسائل الإعلام ولغة الدراما والكوميديا ولغة الإعلانات باتت تنذر بأوخم العواقب، والقصة لا تحتاج إلي تفسير أو تدليل فواقع الحال يغني عن كل سؤال، هذا هو عرض المشكلة فما هي أسبابها ومسبباتها وماهي طرق العلاج؟ وبعيداًَ عن النظريات والمؤتمرات والبرامج البراقة فإنني أتصور مجموعة من البرامج العملية والتي تنطلق من أرض الواقع، أولاً يجب أن تتم إعادة النظر في مناهج اللغة العربية وفي طرق التدريس، وفي القائمين علي عملية التدريس ذاتها، فمحتوي المناهج بوضعه الحالي لا يجعل من اللغة العربية لغة محببة إلي المتعلمين فالشعر والنثر والبلاغة وقواعد النحو والصرف ومدارس الأدب والخط العربي والإنشاء والتعبير كل فرع من هذه الفروع يمثل عبئاً علي دارس اللغة العربية مما يولد في نفسه ضيقاً وضجراً شديداً ليس من هذه الفروع فحسب بل من اللغة ذاتها، بيد أن تطويراً وتيسيراً وإضافة بعض المشهيات والمقبلات سوف يجعل من دراسة اللغة العربية شيئاً محبباً إلي دارسيها..هذا من ناحية. ومن ناحية أخري فإن وسائل الإعلام عليها دور مهم جداً في ترسيخ احترام وحب اللغة العربية من خلال البرامج والفنون والثقافة، فلو تم استثمار الدراما التليفزيونية والإذاعية بشكل ينحاز إلي اللغة العربية سوف تحدث طفرة حقيقية في المستوي العام، وبالنسبة للإعلانات سواء كانت إعلانات ثابتة في الشوارع أو الطرق السريعة يجب أن يتم كتابتها باللغة العربية ولا مانع أن تتم كتابتها باللغة الأجنبية بجانب اللغة العربية، وبالنسبة لعناوين المحلات وأسماء الشركات يجب أن تتم كتابتها باللغة العربية مع ضرورة مواجهة كل الخروقات التي تحدث في هذا الصدد، كما أن المراسلات اليومية بين الشركات والأشخاص في مصر يجب أن تكون باللغة العربية أيضاً، كما يجب أن تكون اللغة المستخدمة في التعامل اليومي بين الموظفين هي اللغة العربية. إننا نري هذا الكم الهائل من الإعلانات عن طلبات التوظيف المختلفة ونجد أن الشرط الأساسي هو إجادة اللغة الأجنبية ولم نجد في يوم ما شرط إجادة اللغة العربية، كما أن هناك دوراً وواجباً علي حملة الفكر والإعلاميين بضرورة احترام اللغة العربية أثناء حواراتهم ومقابلاتهم عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، بيد أن النقطة الأكثر خطورة هي هذا الهجران الكارثي للغة العربية علي مستوي القاعدة الطلابية للغالبية العظمي من أبناء الطبقة الميسورة. حيث يهتم ويتباهي الآباء بأن أبناءهم لا يجيدون العربية إطلاقاً حيث إن مدارسهم مدارس أجنبية، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية فهؤلاء التلاميذ تشبعوا بالثقافة الأجنبية ودرسوا تاريخ اللغة التي تعلموها وباتت اللغة العربية بالنسبة لهم ضرباً من التخلف والرجعية، أنني ومن خلال معايشتي وتعاملاتي الدائمة مع طلاب الجامعات أجد ما يحزن ويؤلم حقاً. فاللغة العربية لا مكان لها علي الإطلاق في حياة هؤلاء الطلاب فقط يدرسون لغات أجنبية ويتكلمون بها ويحترمونها ويتباهون أمام أقرانهم باستخدامها، إن الأمر خطير ويحتاج إلي وقفة جادة وحاسمة وفورية ومن الجميع، فهل آن لنا أن نفيق؟