المواجهة الثقافية تحتاج إلي نشر وترجمة وايجاد التحام بالقراءة لكن الأرقام تقول ان العرب جميعا يترجمون475 كتابا في العام, أما أسبانيا التي لا يزيد عدد سكانها علي38 مليون نسمة تترجم عشرة آلاف عنوان سنويا.. وفي أمريكا تم نشر276 ألف كتاب في عام2007 فكيف تواجه بالثقافة دون تأليف ونشر وترجمة قراءة؟. عندنا مشكلات في الكتاب, والنشر, لكن ليست لدينا قياسات دقيقة للنشر والقراءة, وقد بدأ مركز المعلومات بمجلس الوزراء بدراسة حول ماذا يقرأ المصريون وهذا تجاه مهم, من خلال مؤسسات لديها القدرة علي القياس العلمي, واستخراج مؤشرات حقيقية, لكننا نحتاج جهدا بحثيا علي هذا لمعرفة اتجاهات القراءة. وما هي المؤشرات الأخري المتاحة لديك؟ توجد مؤشرات علي انخفاض نسب القراءة, لكن هناك مؤشرات أخري مهمة, فمحلات الكتب وقاعات العرض التشكيلي كانت تتحول في السبعينيات إلي أنشطة تجارية وصناعية, لكن في السنوات العشر الأخيرة أصبحت المحلات التجارية تتحول إلي مكتبات, ويتم افتتاح قاعات عرض تشكيلي جديدة.. وهذا معناه ان جمهور القراءة والفن يزيد من المؤثرات الايجابية ان يبني صندوق التنمية الثقافية170 مكتبة في قري نائية, وان تطبع رواية12 طبعة, وان يتحول مشروع أهلي مثل ساقيةالصاوي الي حالة ثقافية ويبدأ في افتتاح مشروع لها. وماذا عن دور المجلس الأعلي للثقافة في حركة النشر والترجمة؟ - نحن ننشر مائة عنوان في العام, ونحاول مضاعفة هذا الرقم خلال ثلاث او أربع سنوات صحيح ان لدينا مشكلة في تسويق الكتب, لكننا نبحث عن حلول, منها طرق تقليدية مثل التعاقد مع مؤسسات صحفية للتوزيع, او الخروج بالكتب في معارض في الجامعات, وقد اتفقنا علي17 معرضا نفذنا منها سبعة, وفي نهاية العام الدراسي ستكون لدي مؤشرات ماذا بعنا.. وماذا اشتري الناس وسأعرف احتياجات القاريء ولمن أتوجه وأحاول تصحيح مساري. لكن البعض يري أن الانترنت أصبح يشكل خطرا علي الكتاب؟ - الكتاب لم يعد الوسيلة الوحيدة لاكتساب المعرفة, فالتدوين شكل جديد من أشكال الكتابة, وفيه تفاعل, ويجب ان ننظر الي زيادة عدد المدونات المصرية والعربية سنويا, وزيادة عدد المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعي, صحيح ان البعض يضع قيما ثقافية سلبية, لكن هناك من يضع قيما ايجابية, وهذا مجال لابد من التفاعل والتعامل معه. لكن الأمية التي لاتزال نسبتها27% تشكل تحديا كبيرا علي مستقبل الأمة.. وحتي علي مواجهة الأفكار المتشددة؟ - نعم هذا تحد كبير جدا, لكن يجب أن أعرف أيضا عدد الناس غير الأميين لكنهم حصلوا علي قدر يسير من التعليم, لذا لابد من وجود مستويات متنوعة من الكتابة, حتي الكتب التي تصدر عن المؤسسات الثقافية لابد ان تتعدد مستوياتها, منها ما يصدر للمتخصص, وما يصدر للمثقف العام, ومنها أيضا ما يصدر لهذه الفئة الحاصلة علي قدر قليل من التعليم. وهل لدينا كتب تخاطب هذه النوعية من الناس فوق الأميين؟ - الثقافة الجماهيرية بدأت في نشر سلاسل في التاريخ والعلوم للشباب لكن هذه الفئة يجب أن نعلم هل يريدون القراءة ام لا.. وهل امكاناتهم الاقتصادية تسمح لهم بشراء الكتب.. او لا؟.. لكن علي العموم لدينا مشروع مهم جدا وهو القراءة للجميع يطبع الكتب بأسعار رمزية, وقد بنت أسر عديدة مكتبات من هذه الكتب. في السنوات العشر الأخيرة هناك حديث تكرر عن تراجع دور مصر الثقافي كيف نعيد هذا الدور؟ - لست متحمسا لمقولة تراجع الدور الثقافي المصري, ما حدث هو تعددية للمراكز الثقافيةالعربية وهذا ليس مسيئا, وهو تطور طبيعي ويجب عدم الارتكان الي انني فقط من ينتج الثقافة, لأننا لم نكن بمفردنا فبيروت مركز ثقافي من القرن التاسع عشر, وبغداد مركز ثقافي من بدايات القرن العشرين, بما يعني ان التعددية الثقافية موجودة لكنها ازدادت.. المهم كيفية التعامل مع الواقع الجديد, وأنا مدرك تماما لإمكاناتي. وفي المجلس الأعلي للثقافة لدينا مؤشرات ايجابية علي دور مصر الثقافي منها ان عديد من المبدعين العرب ينشرون كتبهم في بيروت او دمشق او الدارالبيضاء ويأتون لإصدار طبعة مصرية لأن سعرها تنافسي, ولأنه سيجد قارئا ربما أكثر من أي مكان آخر.. وهذا مؤشر علي أن الدور المصري موجود لكنه يحتاج الي التعامل مع المعطيات الجديدة, باعتباري لست المركز الوحيد والمهيمن, لكن مصر مركز ثقافي مهم وسط تعددية ثقافية عربية. منذ سنوات وكثير من المفكرين في شتي انحاء العالم يتحدثون عن الحروب الثقافية وصراع الحضارات الي أي مدي يشكل هذا تحديا في السنوات العشر المقبلة؟ - أنا مع الانفتاح علي ثقافات العالم طالما ليست عنصرية او تقوم علي الفرز والتمييز, واذا كانت ثقافة انسانية تسعي للتفاعل والتعايش والحوار فأهلا بها.. والعكس تماما أري ان الميزة التنافسية الاقتصادية الأساسية لمصر هي الثقافة سواء التراثية مثل الآثار والوثائق الموجودة في الأرشيف القومي, او من ناحية المنتج الثقافي الحديث والمعاصر وكلها تؤهلنا للتنافس علي المستوي العربي, وعلي مستوي العالم, ووجود جاليات عربية مغتربة في العالم كله يعطيني منتجا استطيع تصديره وتحقيق عائد اقتصادي كبير. وهل نحن جاهزون فعلا للمنافسة في الصناعات الثقافية - نعم لكن هذا يحتاج منحها ميزات, نحن نستطيع المنافسة, لايجب فرض رسوم جمركية علي مستلزمات انتاج الكتاب, فنحن نملك المنتج الفكري فقط, لكننا نستورد الورق والأحبار والمطابع واجهزة الكمبيوتر, وإعفاؤها من الجمارك قد يقلل موارد الدولة في المدي القصير, لكنه سيزيد الموارد علي المدي الطويل. نحتاج أيضا الي توجيه البنوك لتخصيص جزء من استثماراتها لتأسيس شركات لتسويق الصناعات الثقافية, نحتاج الي تمويل ترجمة الأفكار والابداع المصري إلي لغات أجنبية, يعني اسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا تدعم ترجمة كتبها إلي العربية, تمنحنا حقوق النشر مجانية, وتكلفة الترجمة, وأحيانا تتحمل تكاليف الطباعة. وماذا عن السينما والدراما التي كانت أهم وسائل القوة الناعمة المصرية؟ السينما صناعة مهمة ثقافيا واقتصاديا, وحين شرع طلعت حرب في بناء اقتصاد مصري حديث في العشرينيات أسس بنك مصر ومصانع الغزل ومطبعة مصر واستوديو مصر, كانت السينما هي الصناعة الثانية بعد الغزل والنسيج, ولدينا امكانات لانتاج أفلام وتصديرها, وامكانات لتحويل مصر إلي مكان لتصوير الأفلام الأجنبية, إذا توقفت التعقيدات الأمنية والبيروقراطية, والتي تجعل صناع هذه الأفلام يتجهون إلي المغرب وغيرها. وقد حضرت جلستين اخيرا في لجنة الثقافة بمجلس الشعب لمناقشة صناعة الكتاب, وجلسة في مركز المعلومات بمجلس الوزراء لمناقشة مشاكل صناعة السينما, مما يعكس اهتماما بالصناعات الثقافية, وامكانية الاستفادة منها في دعم الاقتصاد القومي ودعم السياسة الخارجية عربيا واقليميا ودوليا. يكاد يجمع الخبراء علي أن الدور المصري في افريقيا هو أكبر تحديات العشر سنوات القادمة.. هنا لابد أن أسأل عن دور الثقافة في تمتين هذه العلاقات؟ نعم حين نفكر في إفريقيا لابد من الاهتمام بوجود حالة ثقافية, نحن في المجلس فكرنا في البدء بأنشطة ثقافية مع افريقيا علي غرار ما فعلناه في العالم العربي بجمع مثقفين عرب من مختلف البلدان لمناقشة قضايا ثقافية عامة, وسنبدأ بملتقي في مايو يشارك فيه30 مثقفا إفريقيا وعدد من المثقفين المصريين, وسيناقش الملتقي الأول الثقافات الافريقية في عصرالعولمة.. ولدينا ورشة عمل مع نادي القلم المصري في ديسمبر, يشارك فيها ممثلون عن نوادي القلم الافريقية حول الكاتب الافريقي وتحديات العصر, وفي تصورنا أن هذا النشاط سيستمر. خلال محاضرة له بمدينة اللاذقية اعتبر وزير الثقافة السوري أن اللغة العربية تتعرض لحرب وتحديات عديدة, واعتبر أن الحفاظ علي اللغة العربية باعتبارها ليست وسيلة تواصل أو تخاطب وإنما نسق تفكير وحامل للهوية والأصالة العربية.. ما رأيك؟ لاتوجد لغة يحميها القانون, فاللغة احتياج اجتماعي وانساني, وهي شئ متطور, وإذا تجمدت عند لحظة معينة, أو احتاجت تشريعا لحمايتها فهذا يعني أنها لغة محكوم عليها بالانقراض. ومكانة اللغة تترسخ بإنتاج فكري ومعرفة, وقد كانت العربية لغة العلم في العصور الوسطي, حينما كان العرب ينتجون المعرفة, وحين توقفنا عن انتاجها لم تعد العربية لغة العلم, لذلك ليست عيبا استعارة مصطلحات بحثية وعلمية من اللغات الأخري, وهذا شيء طبيعي في تطور اللغة. لكن اللغة تتعرض لمخاطر بسبب زحف العامية, وظهور لغات جديدة علي الانترنت والموبايل هي لغة الآلة! هذا أمر يدعوني لتطوير لغتي, ووسائل تعليمها متي تتكيف مع متطلبات الواقع, وان يكون لها مكان علي خريطة اللغات العالمية. أخيرا, كيف تري وضع المرأة في ضوء ما نلحظه من تشدد وصل حتي إلي المؤسسات القضائية؟ المرأة هي صانعة الحضارة في مصر, وطوال عصور التاريخ المصري كانت شريكة للرجل, وما يحدث الآن هو مرحلة بين قوسين في التاريخ المصري, لكن هذه الموجة التي تجد علينا الآن تطمس ملامح طريقتنا في الحياة, ومن سلوكنا التاريخي هي مرحلة أتمني أن تعبر وتزول. ولماذا هذه الردة في وضع المرأة؟ في الواقع هي جزء من مشكلات الطبقات العليا من المجتمع مع الدخول في عصر الحداثة, لا حظ مثلا ملك حفني ناصف وهي رائدة نسوية كانت تريد المرأة حرة, لكن ليس بنفس درجة المرأة التي تبيع البرتقال في السوق.. لأن المرأة المصرية الشعبية في الريف والمدينة عاملة كادحة تبني الحضارة والحياة جنبا إلي جنب مع زوجها أو والدها, أو شقيقها. وماذا ستفعلون؟ تعرف ان هذا التحدي متواصل ولابد من مواجهته, وقد وضع المجلس القومي للثقافة هذه القضية علي رأس أولوياته منذ عام1999 علي الأقل حين عقد أول مؤتمر كبير في المجلس بمناسبة مرور مائة عام علي صدور كتاب قاسم أمين عن تحرير المرأة. وهذه القضية شغلنا الشاغل, وبشكل عام أعتقد أن الظلام لن يسود.. والنقاب لن يستمر إلي الأبد.