العلمانية هي الحياد الإيجابي للدولة تجاه الشأن الديني لمواطنيها لأن الدولة الوطنية هي دولة كل مواطنيها. والمساواة هي هدف العلمانية الكبير ومضمونها ومحتواها.. ولا يصح أن تميز الدولة الوطنية بين مواطنيها وإلا سقطت عنها صفة الوطنية وصارت دولة طائفية ولأن الإخوان يرفضون المساواة في المجال الوطني بين الناس فهذا مسيحي وذاك مسلم وذاك رجل وتلك امرأة ويخلطون بين المجال الوطني والمجال الديني فلهذا هم يرفضون العلمانية.. والإخوان مازالوا يقولون بعدم ولاية المرأة وعدم ولاية القبطي. أما الحركة الوطنية المصرية وعلي رأسها الوفد فقد أسست لحياد الدولة الوطنية الجامعة في الشأن الديني وقال الزعيم سعد زغلول مختصرا العلمانية في شعار الدين لله والوطن للجميع وأصبحت الدولة الوطنية الجامعة بوتقة ينصهر فيها الجميع ووعاء يعيش فيه الجميع. والدولة الوطنية دولة كل مواطنيها بغض النظر عن الدين والجنس والعرق والطبقة الاجتماعية لأنها تتأسس علي المساواة وعلي الوحدة الوطنية لا فرق بين مصري ومصري الكل متساوٍ فيما له من حقوق وفيما عليه من واجبات ولذك كان سعد زغلول يقول لا فرق بين مصري ومصري احثوا التراب في وجهه الدساسين الذين يريدون أن يفرقوا بين المصريين ليس لدينا مسلمون وأقباط ليس لدينا إلا مصريون فقط. والدولة الوطنية هذه التي تأسست علي وحدة المصريين بغض النظر عن دينهم هي التي ركّعت بريطانيا العظمي أمام هذا الشعب البسيط ويأست بريطانيا العظمي من أن تنتصر عليه وتحدث فتنة في نسيجه وتكسر شوكته بل حاولت «بريطانيا» أن تنحاز للأقباط وأن تقول بكوتة للأقباط -نسبة في البرلمان - وحاولت أن تدعي أننا شعب إرهابي متطرف وأنها جاءت لحماية الأقباط من المسلمين. فقال القس سرجيوس إذا كانت إنجلترا جاءت لحماية الأقباط في مصر فليذهب الأقباط إلي الجحيم، ورفض الأقباط التمييز والكوتة والحماية البريطانية وقال سعد باشا لولا وطنية في الأقباط وإخلاص شديد لوطنهم مصر لتقبلوا دعوة الأجنبي لحمايتهم وكانوا سيفوزون بالجاه والمناصب بدلاً من السجن والنفي والاعتقال لكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والجاه يسامون الخوف ويذوقون الموت علي أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم. إذن الحركة الوطنية بقيادة الوفد أسست لعلمانية الدولة أي حيادها في الشأن الديني تجاه مواطنيها ورفع الهلال مع الصلييب أما عن علمانية (المجتمع علمنة) القوانين فهذا مستوي آخر لم يتطرق الوفد له ولقد وافق الوفد في برنامجه الأول عند عودته للحياة السياسية وأكد الزعيم فؤاد سراج الدين أن الوفد يرفض أي قانون يتضارب مع مبادئ الشريعة الإسلامية وهذا معناه أن الوفد يوافق علي مرجعية دينية عند سن القوانين وهذا معناه أن الوفد لا يقبل بعلمانية المجتمع بينما هو من وضع وشيد علمانية الدولة، وعلمانية المجتمع تعني أن تسن القوانين دون مرجعية دينية خاصة بدين بعينه وهو ما لم يناد الوفد به. والوفد يفهم أنه يمكن الفصل بين الدين والدولة، فالدولة للجميع والدولة أداة الجميع لكن لا يفهم أن ينادي بالفصل بين الدين والسياسة فالدين أحد أهم مكونات الثقافة في الشخصية المصرية التي سوف تشرع القوانين في البرلمان ولا تستطيع أن تفصل بين الإنسان وثقافته التي يمثل الدين جزءاً أصيلاً فيها لكنه ضد التوسل بالدين لتحقيق أهداف سياسية وضد رفع شعارات دينية في الحياة السياسية وضد إضفاء أي نوع من القداسة علي أي سياسة ووضعها فوق النقد أي أنه ضد تديين أي سياسة كما أنه ضد تسييس أي دين لذلك كانت خصوصية العلمانية في التطبيق الوطني المصري والتأكيد علي علمانية الدول وعدم الدعوة لعلمانية المجتمع والقول بضرورة وأهمية فصل الدين عن الدولة وعدم القول بفصل الدين عن السياسة، إنها مستويات دقيقة والتمييز بينها مهم. رحم الله زعيم الأمة مصطفي النحاس تلميذ سعد النجيب الذي كان رائد التفريق بين ما هو ديني وما هو وطني، حافظ علي الوطن ووضع الدين فوق الذرا. كاتب ومحلل سياسي