أما التوصيات فنقصد بها تلك التي توصل إليها مؤتمر «الوحدة الوطنية والتصدي للفتن الطائفية» والذي عقد مؤخرًا بنقابة الصحفيين، وحضره نخبة من المثقفين والاعلاميين، والتي غطت الكثير من الجوانب والأبعاد الخاصة بموضوع المؤتمر، وتأكيدًا أن ما يحدث علي جبهة الفتن الطائفية لم تعد مجرد أحداث فردية، وإنما تحولت إلي ظاهرة بالغة الخطورة، ومن ثم تحتاج إلي تضافر كل الجهود الرسمية والشعبية، والمدنية منها والدينية. وفي هذا السياق تضمنت توصيات المؤتمر أهمية وضرورة تأكيد دولة القانون التي تضمن حقوق المواطنة الكاملة لكل المصريين بصرف النظر عن أي اعتبارات أخري تتعلق بالدين والمعتقد، أو النوع والجنس، أو الانتماءات والتوجهات السياسية. كما تضمنت التوصيات - كما جاء في بيان المؤتمر - ضرورة ترجمة حق المواطنة الدستوري إلي قوانين وتشريعات، وفي القلب منها: إصدار قانون يعاقب علي ممارسة التمييز بين أبناء الوطن علي أساس غير أساس المواطنة، واتخاذ الإجراءات التي تكفل وقف التمييز بين المواطنين في شغل الوظائف العامة علي أساس الدين أو العرق أو النوع. وأي اعتبارات أخري تقوم علي غير أساس المواطنة. - إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة. تحريم وتجريم الخطاب الديني الطائفي في كل المؤسسات المعنية ببناء الإنسان، وتشكيل الوجدان وفي القلب منها المؤسسات التعليمية والاعلامية والدينية. وبالنسبة للمؤسسات التعليمية علي وجه الخصوص تضمنت التوصيات أمورا في غاية الأهمية تتعلق بالمناهج الدراسية، والدراسات الاجتماعية، وضرورة مراجعة كل هذه المناهج والدراسات وفق أسس علمية موضوعية بعيدة عن كل التحيزات والانتماءات، والاستبعاد لفترات تاريخية معينة. منع المناظرات بين الأديان والمناقشات العقائدية في وسائل الإعلام الموجهة للرأي العام، مع ضرورة الالتزام بعدم الانحياز للدعوات العنصرية والطائفية. وفي هذا الإطار الذي يستهدف الحفاظ علي المواطنة والتصدي للفتن الطائفية طرحت الدعوة لانشاء مجلس أعلي للمواطنة، أو مجلس قومي للوحدة الوطنية، وغيرها من الاجتهادات في هذا المجال. وهنا نقول: إنه لا قيمة لهذه التوصيات ما لم يتم تحويلها إلي سياسات وتشريعات وإجراءات رادعة بعد أن وصل الأمر إلي ما يهدد أمن الوطن واستقراره، وتعويق تقدمه ونهوضه. وهنا يجب علي من تولوا أمر عقد المؤتمر متابعة توصياتهم، وبذل أقصي الجهد لتحويلها إلي واقع عملي ممارس، حتي لا تتحول إلي نظيراتها من مئات التوصيات، وعشرات المؤتمرات في كل الميادين والمجالات. كما ينبغي أن تكون هذه التوصيات علي أجندة الحراك السياسي، وبرامج المرشحين للانتخابات البرلمانية، وأن تكون قضية المواطنة والوحدة الوطنية وهذه التوصيات في مقدمة العمل البرلماني المقبل. فالقضية قضية وطن ولا تحتاج الانتظار. ولا يكفي ما حدث من اغلاق بعض القنوات الفضائية التي تروج للخرافة والفتن الطائفية والجمود والتخلف، والتي ابتلينا بها في زمن الردة، وبفعل تيارات وافدة مستمدة من ثقافة البداوة، والذقون الطويلة، وغيرها مما يهدد المعتقدات والقيم الإنسانية والحضارية. وإنا لمنتظرون ما سوف يكون عليه وضع هذه التوصيات علي أرض الواقع. وعاشت مصر آمنة مستقرة.