دعت أهم نقابات العمال في فرنسا لتصعيد الاحتجاجات والتعبئة العامة في فرنسا غداً الثلاثاء مع بدء الجمعية العامة الفرنسية (البرلمان) مناقشة قانون التقاعد الذي فجر أزمة قوية، مما دفع صحيفة لوموند لوصف ذلك اليوم بالثلاثاء الأسود الذي ينتظر فرنسا. وتوقعت الصحف الفرنسية تواصل الاضرابات والاحتجاجات في جميع أنحاء فرنسا لليوم السادس علي التوالي، خاصة في قطاعي النقل والوقود أهم قطاعي الاقتصاد، فيما أكدت تقارير أن شبح أزمة حادة في الوقود تلوح في الأفق في فرنسا. وشهد العديد من المدن الرئيسية في فرنسا تدفق الآلاف للمشاركة في الاحتجاجات، خاصة العاصمة باريس ومدن بوردو ومرسيليا وتولوز. وتضاربت التقديرات حول أعداد المشاركين في الاحتجاجات، حيث قدر بريس أورتفو وزير الداخلية الفرنسي عدد المتظاهرين بأنه لايتجاوز 825 ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا، بينما أعلنت اتحادات النقابات العمالية أن أعداد المتظاهرين وصلت إلي ثلاثة ملايين شخص. واعترف جان كلود ماليه السكرتير العام لنقابات العمال في العاصمة باريس بأن الأعداد انخفضت مقارنة بمظاهرات سابقة، إلا أنه أرجع ذلك إلي أن يومي السبت والأحد هما العطلة الأسبوعية وتوقع تضاعف الأعداد مع بدء أسبوع العمل. وبدأ المتظاهرون المسيرات صباح أمس الأول في عدة مدن فرنسية مع توقع انطلاق أكثر من 230 مظاهرة في مختلف أنحاء البلاد، بينما يصر الرئيس نيكولا ساركوزي علي "المضي قدما حتي النهاية" في هذا الاصلاح الذي يعتبره من أهم مشاريع نهاية ولايته». وأعرب برنار تيبوه رئيس إحدي النقابات عن ارتياحه لأن هذه الحركة "بلغت ضخامة غير مسبوقة منذ سنوات عديدة". كما أثار توقع خروج الآلاف من طلاب الثانوية الذين التحقوا هذا الأسبوع بحركة الاحتجاج، إلي الشارع مخاوف من وقوع صدامات مع الشرطة كما حصل أحياناً خلال اليومين الماضيين. في الوقت ذاته، أعلنت الشرطة الفرنسية ان اشتباكات اندلعت أمس بين المتظاهرين الذين قدرت أعدادهم بالمئات من الشباب وبين قوات الأمن في منطقة سان نازير. وذكر بعض شهود العيان أن الشرطة الفرنسية ألقت القبض علي 30 شخصاً بالقرب من سجن الباستيل الشهير في أعقاب تحطيم زجاج نوافذ المحال وإحداث تلفيات في السيارات وإحراق حاويات القمامة، كما ردد المتظاهرون هتافات بسقوط الحكومة والشرطة الفرنسية التي واجهتهم بالغازات المسيلة للدموع. من جهته اتهم فيكتور كولماني رئيس اتحاد الطلاب في فرنسا الحكومة بالخوف من الشباب، مشيراً إلي أن ساركوزي قد ذكر في وقت سابق أن حكومته سوف تتمكن من مواجهة الاضرابات إذا لم يشارك الطلاب فيها. وأكد فيكتور أن اتحاد الطلاب طلب من وزير العمل الفرنسي إريك وارث التحاور حول سن التقاعد، لكن لم تتم الاستجابة لتلك المطالب فكان من الطبيعي أن يستجيب الشباب الفرنسي للإضرابات. في حين شجبت وزيرة الأسرة الفرنسية خروج الطلاب وتلاميذ المدارس الثانوية للمظاهرات ملقية بالمسئولية علي الآباء والمدارس. علي صعيد آخر، تزايدت حدة المخاوف في فرنسا من أزمة في الوقود تلوح في الأفق مع اشتداد حركة الاحتجاج في قطاع الطاقة وذلك رغم التطمينات الحكومية. حيث أعلن الاتحاد الفرنسي للصناعات النفطية أمس الأول أن اجمالي المصافي الفرنسية ال 12 مضربة عن العمل وقد تعطلت عشر منها، مما يثير مخاوف من انقطاع الوقود. ودعت وزيرة الاقتصاد كريستين لاجارد الفرنسيين إلي "عدم الهلع" نافية "انقطاع إمدادات" الوقود. وأكدت أن "مخزون الوقود يكفي لعدة أسابيع". كما أشار وزير النقل الفرنسي إلي أنه لايزال هناك نحو 240 محطة وقود تعمل بكامل طاقتها، مضيفا إن أمام الحكومة الفرنسية بدائل عديدة لمواجهة الأزمة، مؤكدا ًأن احتياطي الوقود يكفي لمدة سبعة أيام دون اللجوء للاحتياطي الاستراتيجي من الوقود والغاز. ويتوافر لفرنسا 17 مليون طن من النفط في مخزوناتها الاستراتيجية، أي ما يعادل 98 يوما من الاستهلاك. كما أكد باتريك جانديل مدير الإدارة العامة للطيران المدني أن أنبوب الغاز الذي يغذي مطاري اورلي ورواسي بباريس عادا مجدداً إلي الخدمة بشكل كامل، وذلك بعد أن اضطربت خدمة الأنبوب بسبب الاضراب احتجاجاً علي مشروع إصلاح التقاعد. واقرت شركة توتال الفرنسية للنفط أن المئات من محطات البنزين معطلة وأن حركة الاحتجاج تثير مخاوف، مما حدا بالحكومة الفرنسية إلي السماح في وقت سابق بتوزيع جزء من احتياطي الوقود علي المحطات يكفي لتأمين الاستهلاك ما بين عشرة الي 12 يوما، لكنها استبعدت بشكل قاطع في الوقت الراهن اللجوء الي الاحتياطي الاستراتيجي المخصص فقط لحالة نشوب ازمة دولية كبيرة. كذلك يتواصل الاضراب في قطاع السكة الحديد حيث لم يعمل أمس الأول سوي قطارين سريعين من أصل ثلاثة، وواحد من أصل اربعة بين كبري مدن البلاد. وفي النقل الدولي يسير قطار يوروستار الأوروبي بشكل عادي لكن ستقتصر رحلات القطارات السريعة بين مدن فرنسا وبلجيكا علي مدينة ليل بشمال فرنسا. وعلي صعيد القوي السياسية في فرنسا، انتقد هارلم ديزير من الحزب الاشتراكي الرئيس ساركوزي متهماً إياه بأنه يقود البلاد إلي حالة من الغضب الشديد، مشيراً إلي أن الاضرابات تعكس التصميم القوي للفرنسيين علي رفض مشروع رفع سن التقاعد. كما دعت مارتين أوبري زعيمة الحزب الاشتراكي المعارض ساركوزي الي "تعليق النقاش" البرلماني حول الاصلاح و"إعادة النظر كليا" في المشروع. ويطالب أكثر من نصف الفرنسيين (57%) الحكومة بالتفاوض حول الاصلاح الجديد كما أفاد استطلاع للرأي نشر أمس الأول. وقد دعت النقابات إلي يوم احتجاجي وطني جديد الثلاثاء عشية التصويت في مجلس الشيوخ. من جانبه طالب فرانسو شيراك سكرتير الاتحاد الفرنسي العام للعمل بتأجيل المداولات في مجلس الشيوخ الفرنسي عن سن التقاعد، مشيراً إلي أن النقابات لن تضعف. كما طالب أوليفيه بيسانسينوه الزعيم اليساري والمتحدث باسم حزب الشعب الجديد، الحكومة بإفساح المجال للإصلاح معتبراً أن "الاضراب العام" هو السبيل الوحيد لمواجهة الحكومة. كما أعرب دومينيك دو فيلبان رئيس الوزراء السابق وأكثر معارضي ساركوزي عن أمله أن تتمكن الأغلبية في كسب معركة الإصلاح" مشيراً إلي أن الحكومة الفرنسية خسرت معركتها لكسب الرأي العام وأنها ستدفع ثمنا غاليا في انتخابات عام 2012 .