ملاحظات حول مواقف أخيرة يدرك الكثيرون الاهتمام الفائق الذي توليه مصر لملف الخليج.. وفي القلب منه المسائل المتعلقة بأمنه واستقراره.. بل إن كل المسئولين المصريين الذين يتناولون الأمور الخليجية في التصريحات العلنية يعبرون عن توجه عام وأصيل حين يربطون دائما- بدءًا من الرئيس- بين أمن البحر الأحمر وعمقه الاستراتيجي في دوائر الأمن القومي المصري وأمن الخليج. هذا الاهتمام، لا يرتبط فحسب باعتبارات عربية قومية، قد يكون لها أساس عاطفي، بل هو أعمق من ذلك، وأشمل، كما أنه لا يرتبط فقط بتصاعد وتيرة المسألة الإيرانية وضغوطها علي الأمن الإقليمي والأمن العالمي.. وإنما هو أكثر استمرارية من ذلك.. وهناك أبعاد ثقافية واقتصادية وتعليمية ودينية وسياسية وجغرافية وعمالية.. فضلاً عن الأمنية.. تجعل الدائرة الخليجية في سويداء فؤاد المصالح المصرية. هذه المصالح توجب علي الصحافة أن تنشغل بشكل مطرد بالمتغيرات المختلفة التي تتعلق بالخليج.. سواء علي المستوي المجتمعي بكل أبعاده أو علي المستوي السياسي وله آفاق مختلفة.. ولا شك أن علينا في الصحافة المصرية أن نلوم أنفسنا لأن هذا الانشغال بالخليج ودوله كلها يعاني من قصور.. أو أنه يكون مؤقتًا وطارئًا.. أو أنه لا يكون متعمقًا.. بينما الواجب يقتضي غير ذلك. إن ما يجري في العراق هو أمر حيوي لأمن الخليج.. وفي الأيام الأخيرة توافد علي القاهرة كل من إياد علاوي وعمار الحكيم، حيث جرت مشاورات كان علي رأسها لقاءات مع الرئيس تتعلق بما يدور فيما بين الأشقاء في العراق حول تشكيل الحكومة المتعثر منذ أشهر.. وما يجري في اليمن يؤثر أيضا جوهريا علي أمن الخليج وأمن البحر الأحمر معًا.. وزيارة أحمدي نجاد للبنان التي بدأت أمس بكل صخبها ونتائجها بخلاف كونها تؤثر مباشرة في الأوضاع الإقليمية فإنها مرتبطة أيضًا بتوازنات الخليج وأمنه. ومن بين ما ينبغي الانتباه إليه في الأيام الحالية تلك المؤشرات التي طرأت علي مواقف قطر.. وهي ما تجعل أي مراقب أكثر ميلاً إلي أن يقول إن الدوحة بصدد «إعادة تموضع».. أو ربما «عملية تفكير قد تقود إلي تغيير» في المواقف التي تتبناها منذ بضع سنوات علي مستوي التحالفات والعلاقات.. وبحيث يمكن القول إن المنهج الذي تتبعه الآن يقول إنها تريد لنفسها تميزًا في المواقف لا يجعلها تابعة لمن تتحالف معهم. لقد حدث تلاسن بين المسئولين القطريين والمسئولين السوريين في الاجتماعات التحضيرية السابقة علي قمة سرت التي انعقدت في سرت قبل أيام.. وهو ما رصده مراسلنا في تغطية القمة وتابعته وسائل إعلام مختلفة.. وهذا مشهد لا يمكن أن يفوت في ضوء ما هو معروف عن العلاقات السورية القطرية.. وفي الإطار المحيط بها العلاقات الإيرانية القطرية.. والعلاقات القطرية الإيرانية. ولا شك أن الكثيرين قد انتبهوا إلي الإشارات المتبادلة بين الرئيس مبارك وأمير قطر في القمة الخماسية التي انعقدت في ليبيا قبل فترة وجيزة.. حيث سري ود ملحوظ.. لم يكن قد انقطع.. أو حتي المشاهد المختلفة بين الرئيس والأمير في القمة الأخيرة.. وقد نشرت «روزاليوسف» صورة لأمير قطر وهو يقف إلي جانب الرئيس مبارك حيث كان جالسًا ويتبادلان المشورات في شأن يخص ما جري في القمة. ومن المهم جدا الانتباه إلي أن قطر علي الرغم من المواقف الحادة التي تبنتها تجاه مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية لاسيما فيما يتعلق بملف غزة، خصوصًا علي المستوي الإعلامي، لم تلجأ إلي أي إجراء قسري تجاه العاملين المصريين في قطر.. حتي بعد أن ترددت شائعات في وقت مبكر بهذا الخصوص سارع المسئولون القطريون إلي نفيها.. وهو موقف لابد أن يسجل. كما أن قطر تميل الآن إلي مقاربة مختلفة في التعامل مع الملف الفلسطيني.. وبعد أن كانت منغلقة تمامًا تقريبًا علي التعامل معه من ملف حماس وتستقبل مسئوليها دون غيرهم.. فإنها تفتح عقلها للاستماع إلي الرئيس أبومازن.. الصحيح بالطبع أن هذا لم ينعكس مباشرة في تمويلات كبيرة.. ولكنه يشير إلي تغيير ويلفت النظر كذلك إلي أن وزير الخارجية المصري بدأ في إرسال الرسائل إلي الدوحة.. ولغة تصريحاته بشأن قطر أصبحت مختلفة وأكثر ليونة إذا ما قورنت بما كان يقوله عن قطر إبان أزمة حرب غزة بكل ما فيها من ملابسات. لا أقول إن قطر تغير تحالفاتها.. ولا أعتقد أنه يمكن لها أن تفض العلاقة الوثيقة مع إيران جارتها القريبة جدًا.. هذا كلام ضد المنطق.. وضد الجغرافيا.. ولكن هناك إعادة صياغة.. لابد أن يعتبر في ضوء أن إيران لا تقبل من الحلفاء الذين يوثقون علاقتهم بها إلا أن يكونوا تابعين لها مائة في المائة. ولا أقول إن قطر سوف تناقض سوريا.. هذا كلام ضد منطق الأمور.. وضد منطق الاستثمارات القطرية الضخمة في سوريا.. ولكن المواقف الأخيرة في كواليس العمل الدبلوماسي تشير بالتأكيد إلي أن قطر لا تريد أن تكون تابعة وتقاد.. بل أن يكون لها اعتبارها وفق رؤيتها. ربما كانت قطر تعيد التفكير في الأمور في ضوء المتغيرات.. وربما في ضوء التواصلات الأمريكية القطرية.. وربما في ضوء إعادة قراءة الحقائق الإقليمية.. أيا ما كان السبب فإن تغييرا يجري.. وواجبنا أن نلحظه.. وأن ننتبه إليه.. حتي لو كان ما يصدر عن قناة الجزيرة تجاه مصر وغيرها لم يتسق مع تلك المواقف بعد.. وحتي لو كانت أصواتًا سلفية من قطر تقوم بمواقف وتصريحات لا تتسق مع هذا.. هناك تغيير يجب أن نشير إليه. www.abkamal.net [email protected]