كان الشاعر والمفكر الكبير عبدالرحمن شكري، المولود في الثاني عشر من أكتوبر سنة 1886، واحدا من ثلاثة تُعقد عليهم الآمال في دعم وتطوير النهضة الثقافية المواكبة لثورة 1919، والسابقة لها، أما الآخران فهما عباس محمود العقاد وإبراهيم عبدالقادر المازني. هؤلاء الثلاثة جزء من منظومة تضم طه حسين ومحمد حسين هيكل ومنصور فهمي وسلامة موسي وأحمد أمين، وآخرين، لكنهم ينفردون بالتعاون لتشكيل مدرسة شعرية جديدة، تراود التخلص من الميراث الرديء الذي يكبل ويقيد عملية الإبداع، ويتحول معه الشعر إلي شيء ماسخ، قوامه الإخوانيات والمداعبات والألغاز والأحاجي. تسلحوا بثقافة جديدة مغايرة للسائد، تجمع بين التراث القديم والغربي الوافد، وامتزج المصدران في صياغة رؤية جديدة مستنيرة، لكن عوامل التعرية أصابتهم سريعًا، فإذا بعيد الرحمن شكري يقف بعيدًا عن صاحبيه ورفيقي المرحلة الأولي من عمره، وإذا بهما يحملان عليه ويتحاملان، وسرعان ما تقوقع المازني في ذاته زاهدا ساخرا، أما العقاد فتوسع نشاطه وتشعب، وأغرقته السياسة في بحورها، وشغلته المعارك والصراعات. ينفرد العقاد بالشهرة الأكبر، ويحظي المازني بإعجاب وتقدير من يعرفون قدره ومكانته، ويبقي عبدالرحمن وحده خارج دائرة الاهتمام، فباستثناء حفنة من الأكاديميين والباحثين، يكاد القارئ والمثقف العادي أن يجهل إنتاجه الشعري الفذ، ونظراته الفكرية والناقدة التي تسبق عصره، وكم في تاريخ الثقافة المصرية من تجاوزات. عاش شكري معظم سنوات عمره محاصرا بالتجاهل والإهمال، واستمر الموقف نفسه بعد رحيله، فما أحري المؤسسات الثقافية أن تحتفل به وترد إليه الاعتبار، فهو رائد عملاق يستحق الإنصاف. لا يقتصر الأمر علي عبدالرحمن شكري وحده، فما أكثر الرواد الذين ينتظرون من يزيل عنهم الصدأ الذي تراكم، ذلك أن آفة النسيان تطول عشرات ممن يستحقون بإبداعهم أكثر مما نالوه.