إن البعض يريد خلق تنافر بين عقل وفهم العقيدة الدينية في الإله وبين عقل وفهم الظواهر الكونية والعلوم الطبيعية في الكون، وذلك لدحض العقيدة الدينية بمعول العلوم الطبيعية كما حدث في الغرب, بمعني أن العقل حتي يكون عقلا حقيقيا لا بد وأن يركن إلي العلوم الطبيعية والتجريبية وحسب، وعليه أن ينبذ العقيدة الدينية الإلهية حتي لا يصبح عقلا متخلفا وقاصرا وجاهلا ومعيقا عن التقدم والتطور والإبداع. والبعض الآخر أيضا يريد خلق تنافر بين عقل وفهم العلوم الطبيعية والمادية وبين عقل وفهم العقيدة الدينية في الإله وذلك لدحض العلوم الطبيعية والكونية، بمعني أن العقيدة الإلهية تتنافر مع العلوم الطبيعية والكونية، أما العقل الذي يركن إلي العقيدة الإلهية وحسب فهو عقل كامل الأهلية وهو العقل الحقيقي وغيره هو عقل متخلف قاصر جاهل. إن كل من العقل الحضاري المادي والعقل الإلهي الديني كلاهما عقلان ناقصان عنصريان متطرفان وسوف نبين ذلك علي النحو التالي: العقل الغربي المتحضر: أما العقل العلمي التجريبي الغربي الذي يتخذ من الفلسفة الإغريقية واليونانية مرجعا له، يعلم أن الفلسفة الإغريقية واليونانية لم تكن في مجملها فلسفة إنسانية علمية فقط، بل كان لها جانبان جانب عقائدي إلهي، وجانب إنساني، لم ينفصلا عن بعضهما إلا في بدايات عصر النهضة، فالغرب يعلم تماما أن الفلسفة الإغريقية واليونانية بشقيها الإلهي والإنساني لم يتكاملا يوما ما في منهج واحد متناسق منسجم, فالشق الإلهي من الفلسفة اليونانية هو الذي أوصل الكنيسة الغربية إلي حالة الظلام الدامس الذي عاشته قرون عديدة أذاقت فيها الشعوب الأوروبية ألوانا شتي من القهر والإذلال ما يقرب من ألف عام ولم يخلصها من ذلك إلا الانقلاب علي الكنيسة ورجالها ومعتقداتها. أما الجانب الإنساني والعلمي في الفلسفة اليونانية لم يكن له أي واقع علي الأرض في الحضارتين الإغريقية واليونانية , بل رغم وجود الفلاسفة العظام وفلسفاتهم العقلية والإنسانية العظيمة إلا إن واقع المجتمعات الإغريقية واليونانية كان واقعا يعج بالظلم والقهر والاستعباد والرذيلة وسوء الأخلاق, أو بعبارة أخري إن الجانب العقلي والأخلاقي في الفلسفة اليونانية كان مجرد نظريات محضة تبدأ في العقل وتنتهي في العقل ولم يكن لها أي أثر في الواقع الروماني أو الإغريقي علي الإطلاق أو بعبارة أخري ظلت حبرا علي ورق. أما عن الجانب العقائدي الإلهي في الفكر اليوناني فالمسيرة التاريخية للفكر اليوناني عبر التاريخ تؤكد أنه كان له سلبياته الكثيرة علي الغرب وعلي الشرق سواء ففي الغرب كان للفكر اليوناني الإلهي الوثني الأثر السيئ متمثلا في تشويه عقيدة السيد المسيح التوحيدية حين صهر وصب هذه العقيدة في قالب الفكر الإلهي اليوناني الوثني ثم بدأ هذا الفكر ينتشر في الغرب بعد تبني السلطة الحاكمة للديانة المسيحية، وقولبة هذه الديانة في قالب العقيدة اليونانية الوثنية، وبمرور الزمن أصبحت الكنيسة هي التي تعين السلطة الحاكمة وترعاها، ومنذ تلك اللحظة بدأ الظلام يخيم علي أوروبا والغرب حتي ثورة الشعوب الأوروبية علي الكنيسة في بداية عصر النهضة وعلي أثر ذلك تم نبذ وإقصاء الدين تماما من واقع الحياة وحصره فقط داخل جدران الكنيسة وقام الغرب باستبدال العقيدة الدينية بالعقيدة العلمانية الإلحادية التي عليها الغرب الآن. للحديث بقية