مختلف تماماً.. حالة خاصة في تاريخ الفن المصري.. تميزه غير مسبوق.. تطوره مذهل.. نضجه راقٍ.. مبدع حقيقي.. فنان من تلافيف الناس ولحاء قلوبهم.. ولهذا هو يعيش في عمق شخصياتهم.. ويمتزج في نفوسهم. عادل إمام الفنان الكبير، والرائع، المنفرد ليس فقط بين جيله.. وإنما صنع خصوصيته في مختلف الأجيال، فأصبح من أيقونات الفن المصري.. وعلامات رونقه ورسالته.. ولذا يشار إليه علي أنه من بين ملامح الثقافة المصرية.. تماماً كما لو أنه طبق الفول.. وخضرة الوادي.. وصفرة الصحراء.. وطمي النيل.. وجدعنة الحواري.. وعراقة الفلاح.. وصلادة الصعيدي.. وسكر القصب.. ورحيق أزهار البرتقال في صدارة شهور الشتاء.. تختلف أو تتفق.. تعارض أو تنتقد.. تؤيد أو ترفض.. كل هذا من حقوق الناس علي المبدعين.. لكن هذا لا ينفي أن عادل إمام بعض من ثروة هذا البلد.. ومن (ماساته) التي لا نحتفظ بها في خزانة مؤمنة الحراسة.. لأنه لا يمكن أن يسرق.. إذ حتي لو استولي عليه الآخرون فرضاً فإنه غير قابل للتحول عن مصريته.. عنوان قاهري.. ومطروحي.. وأسواني.. وسوهاجي.. وكفراوي.. ومنوفي.. وأسيوطي.. وسويسي.. عنوان مصري أصيل.. (براند) لا يمكن تقليده أو ابتداع مثله. صاحب موقف ورأي.. منهج ورؤية.. تاريخ بناه بجهده العصامي.. إنجاز حفره بالعمل المتواصل.. أسبقيات جذرها هو في عمق أرض بلده.. روعة تراكمت مرحلة تلو أخري.. مزج فيها الفن بالقول.. والإبداع بالخطاب.. والسينما بالشجاعة.. والمسرح بالإصرار.. والتمثيل بالإخلاص.. فصار كلاً متكاملاً.. ونسيجاً لا يقطع.. ومساراً لا ينقطع.. وقامة سامقة.. وقوة لا تضعف.. وعقلاً يقظاً ونفساً غير معقدة.. وبصيرة صافية بلا تخبط. لا توجد مناسبة لقول هذا في عادل إمام.. ولا توجد مصلحة.. ولا يوجد هدف.. إلا إذا كانت المناسبة هي الاحتفاء بثقافة البلد.. وإلا إذا كانت المصلحة هي تمجيد الإيجابي.. وإلا إذا كان الهدف هو الثناء علي الإخلاص.. هل علينا أن ننتظر الوقائع لكي نشيد بما بين أيدينا من ثروة.. وهل علينا أن نتحين المناسبات لكي نتذكر ما في جعبة الوطن.. وهل علينا أن نبرر امتداح القيمة.. والاعتبار للكنوز المكشوفة.. والتقدير للأصالة. إذا أردت أن تبحث عن مناسبة فلتذكر رسالته في فيلم (حسن ومرقص).. وفي البلد الآن حديث عن فتنة وأدعياء فرقة.. بينما هو فنان جسد الوحدة ودعا إلي المصرية.. وإذا أردت سبباً فلتذكر رسالته في (الإرهابي).. وفي البلد الآن رسل تطرف وأنصار ظلام.. وقد كان ولم يزل طائر نور.. قادراً علي أن يصارح.. ويستطيع أن يواجه.. ويمكنه أن يتصدي.. وليس هذا النوع من الفنانين بالوفرة التي يمكن العثور عليها في كل زمن.. ومن هنا يكتسب رونقه. عادل إمام الذي من حقه أن ينفرد.. وأن يحرص علي التفرد.. لأنه منفرد ومتفرد.. ولأنه يعتلي قمة لا يدانيه فيها أحد.. نجم الجماهير.. والمعجب به من الغفير والوزير.. ابن كل الطبقات.. وصوت كل الفئات.. والمنتمي إلي كل الأجيال والأعمار.. صاحب الرسالة.. الواعي بدوره.. والحريص علي مكانته.. والمثابر من أجل فنه.. الرجل الذي لم تجرفه الأنواء.. ولم ينجرف في العاصفة.. ولم تلوثه فيروسات العصر.. وبقي كما هو فناناً وطنياً قادراً علي الإدهاش.. دون أن يخل بسياقه.. أو يختل اتساقه.. أو يهتز اتزانه.. أو يفقد شعبيته.. حافظ علي مصداقيته.. فبقيت لكلمته قيمة ولأقواله معني. الساخر العظيم.. ابن النكتة.. والنكتة في مصر لا تعطي سرها إلا لابن أرضها القادم من عمق أعماقها.. تمنح عبقها لورودها.. وتعطي جوهرها لجواهرها.. وتسلم مفاتيح كنزها لكل (علي بابا) جاء من بطين وأذين قلبها.. ممزوجاً بأنفاس صدرها.. وعادل إمام من كل هؤلاء.. ويستحق الثناء اليومي.. والإطراء كل ساعة.. والاحتفاء في كل دقيقة.. تحية إلي الرائع. الموقع الإلكترونى : www.abkamal.net البريد الإلكترونى : [email protected]