قبيل انعقاد قمة الأممالمتحدة لمراجعة التقدم الذي تم إحرازه علي مسار تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، كان من المنطقي أن ينصب القدر الأعظم من التركيز علي المجالات التي كانت المكاسب التي تحققت فيها هي الأكثر إحباطا. وعلي رأس قائمة هذه المجالات الفشل في تحسين صحة الأمهات في البلدان الأكثر فقرا. ولقد شهدت الفترة الأخيرة الكثير من النقاش حول التزام البلدان الغنية بزيادة الأموال، وما إذا كانت الحكومات في بلدان العالم النامي تستخدم الموارد بطريقة فعّالة. ومن المؤسف أن أقل قدر من الاهتمام كان موجهاً لقضية زواج الأطفال والتأثيرات المدمرة التي يخلفها ذلك علي صحة الملايين من الفتيات والنساء. وهناك أدلة دامغة تؤكد أن زواج الأطفال يشكل عائقاً كبيراً أمام إحراز التقدم فيما يتصل بستة أهداف علي الأقل من الأهداف الإنمائية للألفية. والواقع أن الآمال العالمية فيما يتصل بالحد من الوفيات بين الأطفال والأمهات، ومكافحة عَرَض نقص المناعة البشرية المكتسبة/الايدز، وتوفير التعليم الأساسي للأطفال علي مستوي العالم، تضررت بشدة لأن واحدة من كل سبع فتيات في بلدان العالم النامي تتزوج قبل أن تبلغ سن خمسة عشر عاما. كما يعمل زواج الأطفال علي إحباط كل طموح فيما يتصل بالقضاء علي الفقر المدقع وتعزيز المساواة بين الجنسين. والواقع أن الإحصائيات واضحة إلي حد صارخ. ففي البلدان الفقيرة سنجد أن الأطفال المولودين لأمهات دون سن ثمانية عشر عاماً أكثر عُرضة بنسبة 60% للموت في عامهم الأول مقارنة بالأطفال المولودين لنساء أكبر سنا. والفتيات دون سن خمسة عشر عاماً أكثر عُرضة بما لا يقل عن خمسة أمثال مقارنة بالنساء في العشرينيات من أعمارهن للموت أثناء الحمل والولادة. والواقع أن الافتقار إلي المعلومات، والزواج برجال أكبر سنا، وعدم القدرة علي الاستعانة بالممارسات الجنسية الآمنة، من الأسباب التي تعرض الزوجات في سن الطفولة لقدر أعظم من خطر الإصابة بعدوي الايدز مقارنة بأقرانهن غير المتزوجات. فضلاً عن ذلك فإن الزوجات في سن الطفولة من الأرجح أن يتسربن من المدارس للتركيز علي الأعمال المنزلية وتربية الأطفال. ولكن هذا التحيز ضد تعليم الفتيات يبدأ في سن أصغر. ففي المجتمعات التي تشتهر بتزويج الفتيات في سن مبكرة عادة يصبح من غير المنطقي أن تستثمر الأسرة في تعليمهن. إن الفقر هو المحرك الرئيسي لزواج الأطفال. ففي العديد من البلدان والمجتمعات الفقيرة، يعَد تزويج إحدي البنات وسيلة للتخفيف عن الأسرة بإراحتها من تكاليف إطعام فم إضافي. ويشكل مهر العروس أيضاً دخلاً إضافياً تستعين به الأسر الفقيرة علي قضاء حوائجها. وكل هذا يخلف تأثيراً مدمراً بين الأجيال. فالأطفال الذين يولدون لفتيات حصلن علي تعليم هزيل يميلون إلي الأداء السيئ في المدارس والحصول علي دخول أدني في حياتهم كبالغين، الأمر الذي يؤدي إلي إدامة دورة الفقر. والواقع أن زواج الأطفال قد يكون وارداً في مختلف أنحاء العالم، ولكنه شائع بشكل خاص في جنوب آسيا وأجزاء من البلدان الواقعة إلي الجنوب من الصحراء الكبري في أفريقيا. ففي بنجلاديش تبلغ معدلات زواج الأطفال 65% وفي الهند 48% وفي النيجر 76% وفي تشاد 71%. وطبقاً لبعض التقديرات فإن عدد الفتيات اللاتي سوف يتزوجن قبل بلوغ سن ثمانية عشر عاماً لن يقل عن مائة مليون في غضون العقد القادم فقط. وقد يتصور المرء أن التصدي لمسألة زواج الأطفال لابد وأن يكون من بين أهم الأولويات علي الأجندات الوطنية والعالمية، نظراً لتوفر الأدلة الدامغة التي تؤكد الأضرار التي يفرضها الزواج المبكر علي الأفراد والمجتمعات. ولكن التفاوت بين حجم وخطورة المشكلة وبين الاهتمام الموجه إلي هذه المشكلة كبير إلي حد مذهل. ونحن نفهم بطبيعة الحال الأسباب التي قد تحمل البعض علي العزوف عن التدخل فيما يعَد تقليدياً شأناً أسريا. ونحن ندرك أن زواج الأطفال يشكل تقليداً ضارباً بجذوره في العديد من المجتمعات وكثيراً ما يقره الزعماء الدينيون. ولن يكون التغيير سهلا. وهناك بعض الأدلة التي تشير إلي انحدار معدلات زواج الأطفال في بعض أجزاء العالم، وذلك بفضل الحملات الشعبية المتواصلة وتوفر الفرص الاقتصادية الجديدة للنساء. ولكن بمعدل التقدم الحالي فقد يستغرق الأمر مئات السنين قبل أن تختفي هذه الظاهرة. ويتلخص التحدي الرئيسي هنا في مساعدة المجتمعات علي التعجيل بالتغيير. ولهذا السبب فقد ألزمنا أنفسنا في مجلس الحكماء بلفت أنظار العالم إلي الضرر الشديد الناجم عن زواج الأطفال، ودعم جهود هؤلاء الذين يعملون من أجل وضع حد لزواج الأطفال. وهذا يعني تركيزاً جديداً علي المشاركة، والحوار، والتعليم وخاصة علي المستوي المجتمعي. ونحن نسعي بقوة الآن إلي توسيع نطاق مشاركة الزعماء الدينيين في التصدي لهذه القضية. والواقع أننا لا نعرف أي دين يشجع صراحة علي زواج الأطفال. ويرجع تأييد الزعماء الدينيين لزواج الأطفال في الكثير من المجتمعات إلي العادات والتقاليد وليس العقائد الدينية. ولكن لا يجوز لنا أن نسمح لتحريف التعاليم الدينية والأعراف والتقاليد الراسخة بالعمل كعذر لتجاهل حقوق الفتيات والنساء، وترك مجتمعاتهم أسيرة للفقر. وما تعلمناه علي مر السنين هو أن أي تغيير اجتماعي بهذا الحجم لا يمكن فرضه من الأعلي. فالقوانين تكاد تكون غير مؤثرة. فالغالبية العظمي من بلدان العالم تجرم تزويج الأطفال من خلال التشريعات المحلية والعديد منها وقعت علي المعاهدات الدولية التي تحظر تزويج الأطفال. ولكن هذا لم يترجم إلي تغيير علي أرض الواقع. ففي زامبيا علي سبيل المثال يبلغ السن القانونية للزواج 21 عاماً، ورغم ذلك فإن 42% من الفتيات يتزوجن ببلوغهن ثمانية عشر عاماً، وما يقرب من فتاة من بين كل 12 تتزوج ببلوغها خمسة عشر عاماً من العمر. وهناك أيضاً تناقضات مماثلة في العديد من البلدان. لقد بات من الأهمية بمكان أن تأخذ السلطات القوانين في هذا السياق علي محمل الجد، ولكن التغيير لن يكون أسرع إلا حين تدرك المجتمعات أن القيمة الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في تعليم الفتيات تتجاوز السعر الذي تتقاضاه الأسرة في مقابل تزويج صغار فتياتها (المهر). وهذا يتطلب المناقشة المتأنية، والزعامة الواعية، وتوفير المعونة المالية اللازمة لإبقاء الفتيات في المدارس. ويتعين علينا أيضاً أن نقدم المزيد من الدعم علي المستويات المجتمعية والوطنية والدولية للجماعات التي تعمل من أجل وضع حد لهذه الممارسة. وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين علينا أن ندرك تمام الإدراك أننا لن نتمكن من تحسين حياة النساء والفتيات الأكثر فقراً وتهميشاً ما لم نعالج أولاً وبشكل مباشر ومفتوح التأثيرات المترتبة علي زواج الأطفال وما لم نلتزم بإنهاء هذه الممارسة. جيمي كارتر رئيس الولاياتالمتحدة الأسبق وفرناندو انريك كاردوسو رئيس البرازيل الأسبق