كتب - أوليفي دو شاتر في الفترة من العشرين إلي الثاني والعشرين من سبتمبر اجتمع زعماء العالم في نيويورك بهدف تشجيع التقدم علي المسار نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأممالمتحدة وهي مجموعة من ثمانية أهداف تتراوح بين القضاء علي الفقر المدقع والجوع إلي الحد من وفيات الأطفال وكفالة التعليم الأساسي لكل أطفال العالم في سن المدرسة، وذلك بحلول عام 2015 . والغرض من هذه القمة يتخلص في تقييم النجاحات والإخفاقات، والتحرك نحو الاستراتيجيات وخطط العمل الراسخة. ولكن هذه القمة من شأنها أيضاً أن تسدي العالم أجمع خدمة عظيمة من خلال الإقرار بالخلل الذي ألم بالأهداف الإنمائية للألفية والسعي إلي تبني توجه مختلف جذرياً في التعامل مع الأمر. إن الأهداف الإنمائية للألفية، كما تُصوَّر حاليا، تتعامل مع أعراض الفقر والتخلف، ولكنها في الأغلب تتجاهل الأسباب الأكثر عمقا. وهل تلفت الانتباه لثمانية عشر هدفاً في الإجمال أو تلك التي يمكن جمع البيانات الخاصة بها بسهولة. ولكن النتيجة هي أن الأهداف الإنمائية للألفية قد تصرف انتباه الناس عن الآليات التي تدفع المجتمعات إلي التخلف تماماً كما يفعل المخمور الذي يبحث عن مفاتيحه تحت عامود الإنارة لأن الإضاءة هناك أفضل. وبدلاً من التعهد بدعم الأهداف الإنسانية وتخصيص الأموال لمعالجة أعراض الفقر، فيتعين علي البلدان الغنية أن تدرك الضرورة الملحة المتمثلة في إزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية والتي تستطيع هذه البلدان أن تذللها. ففي كل عام، علي سبيل المثال، تخسر البلدان النامية 124 مليار دولار من العائدات من الأصول المحتفظ بها في الخارج في البلدان التي توفر الملاذ الضريبي. وبتقاعسنا عن إغلاق مثل هذا الملاذ فإننا بذلك نشجع النخبة الفاسدة في هذه البلدان علي الاستمرار في خداع الشعوب. فضلاً عن ذلك فإن نظام التجارة الدولية الحالي يتسم بعدم الإنصاف إلي حد كبير: فهو يعرض البلدان النامية للمنافسة غير العادلة، ويثبط رغبتها في تنويع اقتصادها. كما تتحمل هذه البلدان أعباء الديون الخارجية التي تقدر بنحو 500 مليار دولار في البلدان الفقيرة التي لا تتوافق ببساطة مع السعي إلي تحقيق أهداف التنمية. إن التصدي لهذه القضايا يشكل أهمية بالغة لمنح أهداف التنمية الفرصة للنجاح. ولكن رغم أن الهدف الثامن يتلخص في تأسيس شراكة عالمية للتنمية، ورغم إحراز بعض التقدم فيما يتصل بقضية الديون، فلم يتم إلا أقل القليل في واقع الأمر لمنح هذه المبادرة مغزي راسخا. ومن بين أوجه القصور الكبري الأخري التي تعيب الأهداف الإنمائية للألفية فشلها في الاعتراف بحقوق الإنسان بوصفها ضرورة أساسية لأي استراتيجية تنموية مستدامة. ولكن حقوق الإنسان ليست مجرد رموز؛ بل إنها تشكل أيضاً أداة بالغة الأهمية. وهي تستمد قيمتها من كونها أداة تنفيذية عاملة. ولا يجوز لنا أن نتعامل مع الجياع من سكان العالم من البشر، والذين بلغ تعدادهم مليار نسمة، وكأنهم يستحقون الإحسان أو الصدقة: فمن حقوقهم الإنسانية الأساسية أن يحصلوا علي الغذاء الكافي، ويتعين علي الحكومات أن تؤدي واجبها الذي ينص عليه قانون حقوق الإنسان الدولي. ويتعين علي الحكومات الجادة بشأن رغبتها في إحراز التقدم علي مسار تحقيق أهداف التنمية أن تتبني إطار عمل تشريعي يهدف إلي توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية مثل الحق في الحصول علي الغذاء أو الحق في الحصول علي الرعاية الصحية. ومن الأهمية بمكان أن يتم تصميم هذا الإطار من خلال عملية قائمة علي المشاركة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني. ويتعين علي هذا الإطار أن يحدد الخطوات الواجب اتخاذها، والجهة التي يتعين عليها أن تتخذها، والإطار الزمني لتنفيذها، وبالاستعانة بأي الموارد. ولابد من اعتبار المستفيدين الذين تستهدفهم هذه الخطوات أصحاب حق. ومن الأهمية بمكان أيضاً تأسيس آليات المساءلة الكفيلة بتمكين الضحايا من تحميل الحكومات المسئولية عن فشلها في اتخاذ التدابير اللازمة. وهذا من شأنه أن يزيل وصمة الإحسان، وأن يعمل علي تمكين الضحايا. وبدلاً من تقديم المساعدة لهم لأنهم لديهم احتياجات غير مشبعة، فيتعين علينا أن نقدم لهم العلاج لأن حقوقهم تنتهك. ولابد أن يشتمل الإطار أيضاً علي متطلبات غير قائمة علي التمييز، من أجل ضمان تركيز انتباهنا علي المجموعات الأشد ضعفاً وعُرضة للخطر وليس فقط المجموعات ذات الحظوة، والمتعلمين، والمقربين من النظام، وليس فقط في المجالات التي يمكننا فيها انتصارات سريعة. وانطلاقاً من ضرورة ضمان المشاركة في هذه العملية، فإن هؤلاء الأشخاص الذين نسعي إلي دعمهم لابد أن يشاركوا في تصميم وتحسين الأنظمة التي يفترض أن تخدمهم. وهذا من شأنه أن يحولهم إلي مشاركين فعّالين بدلاً من متلقين سلبيين للمساعدات، وبهذا تصبح المساعدات أكثر فعالية كنتيجة. لقد بدأت كل الثروات الديمقراطية بحقوق الإنسان. والواقع أن قمة الأهداف الإنمائية للألفية تفوِّت فرصة ذهبية لإشعال شرارة هذه الثورة وتغيير فهمنا للتنمية الاقتصادية. مقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالحق في الحصول علي الغذاء