أكد الدكتور علي الدين هلال مسئول الإعلام في الحزب الوطني الديمقراطي في إحدي الندوات التي أقامها مؤخرا المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن علي الباحثين اتباع العديد من القواعد الذهبية في دراسة الشخصية المصرية بشكل علمي يضع أمام متخذي القرار السياسي والاقتصادي ثلاثة توضيحات: أولها ما هي خصائص الشخصية المصرية المستقبلية لأن ذلك سيترجم لسياسات مستقبلية أيضا. الثاني تحديد العناصر المؤثرة علي تطور هذه الشخصية ووسائل التحكم فيما نريد أن نؤصله أو فيما نتلافاه، أو هذه القواعد هي عدم الانزلاق في التنميط وإعطاء احترام أكبر للتنوع في الشخصية المصرية يرتبط بالانقسام بين النخبة والجماهير فهناك التنوع المعرفي والتنوع الاجتماعي، التنوع العمري. وأيضا توجد الخبرات التاريخية للشعب فهناك محافظات قاومت الاحتلال كالبحيرة والمنصورة وهناك الدمايطة والشرقاوية.. كل له سمات مختلفة.. ثم يأتي التنوع الديني مسلم ومسيحي والوسطي والعلماني والسلفي فالدراسة يجب أن تركز علي مسار تلك الشخصيات الفرعية وهل تحمل مزيدا من التقارب أم التباعد؟ علينا ألا نصدق خرافة جمود الشخصية المصرية المعتادة علي الخنوع والتواكل والصبر بل هي شخصية خاصة تعلم: متي ترفض ومتي تثور؟ ومتي تهاجر؟ ومن المهم أن ننظر إلي هذا الشعب كيف غير لغته ودينه ثلاث مرات من الفرعونية للمسيحية للإسلام؟ لماذا خلع الطربوش والجلابية البلدي المصرية المميزة وارتدي القميص والبنطلون.. لماذا يختلف حجاب المصرية بألوانه الزاهية عن باقي أنواع الحجاب في العالم؟ أيضا البعد عن التوصيفات الجامدة التي تقول إن المصري خنوع، علينا أيضا أن نقرأ التاريخ، فعهد محمد علي شهد مئات الانتفاضات من اعتصامات الفلاحين وتمخض بعدها عن نهضة شاملة تبحث عن تحسين مستوي الحياة. فشخصية الإنسان المصري دائما ما تتسم بالتواضع ولا تبالغ في وصف قوة الدولة، وعلينا أن نبحث عن التماثل الإنساني بين الشخصية المصرية وباقي الأمم. المصري ليس قطعة بلاستيك، بل شخصية معقدة مركبة متغيرة، وعلي الناس احترام تغيراته المتباينة، واحترام مخاوفه وأفكاره، وعليك رصد وفهم كل ذلك. أيضا لا بديل عن التغيير للتقدم الاقتصادي المتسارع والتقدم التكنولوجي في العالم. وفي هذا الإطار شارك عدد من كبار المفكرين والمثقفين في لقاء فكري أقيم مؤخرا بالإسكندرية، تحت عنوان «الشخصية المصرية في زمن التحولات»، تحدث فيه عدد من المتخصصين من بينهم الدكتور إسحاق عبيد، أستاذ الحضارة والتاريخ بآداب عين شمس، الذي أشار إلي أن «هيروديت» أكد في كتاباته أنه لم ير علي وجه الأرض شعبا متدينا كشعب مصر، فالإيمان يسري في عروقهم كما يسري الماء في نهر النيل.. وأكد علي ذلك العلامة الشيخ تقي الدين المقريزي (1264-1442) عندما ذكر في خططه أن سبعين ألفا من الرهبان القبط خرجوا بنواقيسهم ودفوفهم مرحبين بالقائد العربي عمرو بن العاص عند مدخل مدينة الفرما. وأشارت الدكتورة هويدا عدلي، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية إلي أن عملية التحول في مصر اتسمت تاريخيا بالبطء والتدرج، لكن مع ظهور العولمة وبروز الفضاءات الافتراضية المتعددة، تسارعت التغييرات من ناحية، وزادت حدة التناقضات داخل الشخصية المصرية ما بين الذين يتعرضون لهذه الفضاءات ويستخدمونها ومن لا يتعرضون لها، واستطاعت العولمة أن تسقط حاجز المكان والزمان داخل الشخصية المصرية. كما حذر الكاتب محفوظ عبدالرحمن من الأفكار التي ترد إلينا من بعض الدول المجاورة، والمعادية للوجدان، التي تعتمد علي الشكليات كالمأكل والملبس، كما أشار إلي العديد من المظاهر السلبية داخل المجتمع، التي أصبحت جزءًا من الشخصية المصرية، وأخطرها الرشوة والوساطة. وهكذا فقد شغلت الحضارة المصرية علي مر الأزمان، حيزا لا يدانيه آخر علي وجه الأرض، فالحضارة هي منجز عقلي تتبلور معالمه جيلا بعد جيل.. وما يسجل باعتزاز للحضارة المصرية القديمة أنها دونا عن سائر الحضارات المعاصرة والتي تلتها، لم تعرف تقديم البشر كأضحيات للآلهة، كما أنها قدمت للعالم عقيدة الحياة الآخرة بعد الموت، وبهذا تعد مصر أرضا للإيمان في نفس الوقت الذي كان فيه سائر العالم يغط في البربرية والظلام الروحي.