سواء أكان المقيم في البيت الأبيض قويا أو ضعيفا، فإنه يبقي قادراً علي التعاطي بحزم مع إسرائيل ومع استمرار الاحتلال للأرض العربية خاصة، يمكن سوق أدلة كثيرة علي ذلك انطلاقاً من عهد جيمي كارتر الذي كان رئيسا ضعيفا وصولا إلي عهد جورج بوش الأب الذي كان رئيسا قويا.. من هذا المنطلق، يصح التساؤل هل يستطيع الرئيس باراك أوباما، في ضوء خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ترجمة نياته وتمنياته، إلي أفعال وواقع، فنري دولة فلسطين في مصاف الدول التي يرفع علمها في الأممالمتحدة ونري الشعب الفلسطيني قد استعاد حقوقه الوطنية الكاملة وإن علي جزء من أرض فلسطين وهي أرضه التاريخية؟ في حال استطاع أوباما تحقيق هذا الانجاز، سيدخل التاريخ من أبوابه الواسعة، حتي لو لم يتمكن من الحصول علي ولاية رئاسية ثانية.. فما يحدد مدي شعبية أي رئيس أمريكي هو الوضع الداخلي، خصوصا الاقتصاد.. إلي اشعار آخر، علي الرغم من كل ما يقال بين الحين والآخر عن انتهاء الأزمة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة، ليس ما يشير إلي صحة هذا الكلام وإلي اقتناع المواطن العادي بأنه في وضع اقتصادي أفضل.. ولذلك، تشير كل الدلائل منذ الآن إلي أن الكونجرس سيصبح بمجلسي النواب والشيوخ جمهوريا بعد الانتخابات الجزئية التي ستجري في الثاني من نوفمبر المقبل، اضافة إلي ذلك، من المشكوك به أن ينجح أوباما في الانتخابات الرئاسية عندما يحين موعد تجديد ولايته بعد نحو سنتين وشهرين من الآن.. وهذا عائد إلي تدني شعبيته نظراً إلي أن الأمريكيين يرون فيه رئيسا متردداً وضعيفا يشبه إلي حد كبير جيمي كارتر الذي فشل بدوره في أن يؤمن لنفسه ولاية ثانية. في المقابل، يعتبر جورج بوش الأب أحد أعظم الرؤساء الأمريكيين في النصف الثاني من القرن العشرين..كا ن محاطا بأفضل المستشارين السياسيين والعسكريين أنقذ الكويت، البلد المسالم، من براثن صدام حسين الذي ظن في مرحلة ما أن العراق قوة إقليمية قادرة علي ملء الفراغ الناجم عن انهيار الاتحاد السوفيتي.. استطاع بوش الأب إنهاء الاحتلال العراقي للكويت عن طريق تحالف دولي واسع.. وأظهر في الوقت ذاته بعد نظر عندما عرف أين يجب أن تتوقف الحرب.. أيقن خطورة اسقاط النظام في العراق، وانعكاسات ذلك علي التوازنات الإقليمية.. ركز بدل ذلك علي السلام في الشرق الأوسط، فكان أن انعقد مؤتمر مدريد في أواخر أكتوبر من العام 1991. لم يستطع بوش الأب، وهو رئيس قوي الحصول علي ولاية ثانية لأسباب مرتبطة أولا وأخيراً بالاقتصاد.. ولكن إلي الآن يظل الفضل لمؤتمر مدريد في التوصل إلي اتفاق سلام أردني إسرائيلي، الأهم من ذلك أن الفلسطينيين انطلقوا من مدريد لاثبات أنهم قادرون علي خوض غمار معركة سياسية يمكن أن تقود بهم إلي الدولة المستقلة.. ولولا مدريد لما كان اتفاق أوسلو في العام 1993 الذي أعاد، علي الرغم من كل الانتقادات التي يسوقها كثيرون ارضا إلي الفلسطينيين، للمرة الاولي منذ قيام دولة إسرائيل.. من كان يصدق يوما أن ياسر عرفات سيعود إلي فلسطين وسيواري الثري فيها قريبا من القدس.. لماذا المقارنة بين بوش الأب وباراك أوباما الآن، مع الاتيان علي ذكر جيمي كارتر؟ الجواب أن الرئيس الأمريكي، أي رئيس أمريكي، قادر علي تحقيق انجاز ما في الشرق الأوسط.. المهم أن تكون لديه الإرادة، لولا ارادة جيمي كارتر، لما قبل مناحيم بيجن بالانسحاب من كل صحراء سيناء وإعادة الاراضي المحتلة إلي مصر بكل ما فيها من ثروات من نفط وغاز، ولولا بوش الأب لما انعقد مؤتمر مدريد، لم يكن اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك، يريد السماع بالمؤتمر لكن الادارة الأمريكية جرته إليه جرا. إلي أي حد سيذهب باراك أوباما في ممارسة النفوذ الذي يمتلكه الرئيس الأمريكي؟ أثبت الرجل حتي الآن أنه مثابر وأنه يعرف ما يريد.. الأهم من ذلك كله أن خطابه في الأممالمتحدة يوحي بأنه يدرك أن الشرق الأوسط، والنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحديدا هو المكان الوحيد الذي يستطيع أن يحقق فيه انجازا ما.. فالكلام عن العراق وعن الانسحاب منه نهائيا في آخر السنة المقبلة لا يعكس سوي رغبة في جعل الامريكيين ينسون تلك المغامرة المزعجة التي كلفتهم الكثير.. أما أفغانستان فتظل برمالها المتحركة، هاجسا يحتاج التخلص منه إلي سنوات عدة. ما الذي سيفعله باراك أوباما؟ هل هو مقتنع فعلا بأن فرصة السلام الحالية، علي أساس خيار الدولتين، لن تتكرر وأن علي بنيامين نتانياهو التصرف كما تصرف مناحيم بيجن في العام 1978 حين وقع اتفاقي كامب ديفيد وكما تصرف اسحق شامير في العام 1991 حين ذهب غصبا عنه إلي مؤتمر مدريد؟ في حال كان مطلوبا إيجاد تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن ذلك ممكن.. أسس هذه التسوية موجودة ويعرفها الجميع.. إلي أي مدي سيذهب باراك أوباما في فرضها؟ لدي أي رئيس أمريكي حجة قوية تجعله يفرض إرادته علي إسرائيل.. تقوم تلك الحجة علي أن للولايات المتحدة مصلحة في الاستقرار في المنطقة.. ألم تؤكد المؤسسة العسكرية الأمريكية حديثا أن التسوية في فلسطين حماية للجنود الأمريكيين الموجودين في الشرق الأوسط الكبير، حتي في أفغانستان؟ كلام باراك أوباما في الأممالمتحدة كلام جميل، لكنه في حاجة إلي ترجمة فورية اليوم قبل غد في حال كان مطلوبا تفادي مفاجآت كبيرة في الشرق الأوسط. * كاتب لبنانى