سيكون صعبا علي إدارة باراك أوباما تحقيق أي تقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الأكيد أن ما ينقص الرئيس الأمريكي ليس النيات الطيبة. فقد أبدي أوباما منذ اللقاء الأول بينه وبين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) رغبته في عدم إضاعة الوقت كما فعل سلفه جورج بوش الابن. وعد في اللقاء الذي عقد في رام الله صيف العام 2008، أي قبل أن ينتخب رئيسا، بالسعي إلي معالجة موضوع التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فور دخوله البيت الأبيض. أكد الرئيس المقبل للولايات المتحدة ل"أبو مازن" أنه لن يفعل كما فعل بوش الابن الذي لم يبذل أي جهد يذكر في هذا المجال إلا في الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية. لم يمض أسبوع علي تسلمه الرئاسة حتي عين مبعوثا شخصيا له مهمته التوصل إلي تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. اسم المبعوث جورج ميتشل وهو يعرف الشرق الأوسط عن ظهر قلب. ما دامت النيات الطيبة متوافرة بكمية تجارية، لماذا لم يستطع أوباما تحقيق أي تقدم يذكر بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ الجواب يعود بكل بساطة إلي أن الرئيس الأمريكي الحالي شخص متردد من جهة ولا يمتلك وزيرا للخارجية يتصرف بصفة كونه يتحدث باسم المقيم في البيت الأبيض من جهة أخري. ظهر تردد باراك أوباما من خلال الموقف الأمريكي الرسمي من المستوطنات الإسرائيلية. امتحن رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتانياهو الرئيس الأمريكي بٌعيد دخوله البيت الأبيض. ولما اكتشف أنه ليس قادرا علي الذهاب بعيدا في التزام ما وعد به الفلسطينيين والعرب وحتي العالم من خلال الخطاب المشهور الذي ألقاه في القاهرة، شن هجوما مضادا علي الإدارة الأمريكية. ما لبثت الادارة أن تراجعت عن كل ما له علاقة بالمستوطنات والاستيطان. أصعد باراك أوباما الفلسطينيين إلي رأس الشجرة ثم طلب منهم النزول منها من دون مساعدة تذكر منه أو من إدارته. من حسن الحظ أن لدي الفلسطينيين خطة بديلة من المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة. تقوم الخطة علي متابعة العمل من أجل بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. اكتشف الفلسطينيون أخيرا أن القضاء علي فوضي السلاح في الضفة الغربية يخدم قضيتهم ولا يخدم الاحتلال الإسرائيلي كما تدّعي "حماس" ومن لفّ لفها مستخدمة شعار "المقاومة المسلحة" التي كانت صالحة لمرحلة معينة، لكنها لم تجلب للفلسطينيين سوي الويلات منذ ما بعد العام 1993 تاريخ توقيع اتفاق أوسلو. كذلك اكتشفوا ان استتباب الأمن في الضفة الغربية يجعل الأرض الفلسطينية آمنة، فلا تعود أرضا طاردة لأهلها كما تتمني إسرائيل. لا تكمن المشكلة في تردد أوباما وقلة خبرته بلعبة التوازنات في واشنطن دي. سي فحسب، بل تعود المشكلة أيضا إلي تعدد مراكز القرار داخل إدارته. ما دور مبعوثه الخاص جورج ميتشل بوجود وزيرة للخارجية اسمها هيلاري كلينتون وموظف كبير في البيت الأبيض يتعاطي شئون المنطقة اسمه دنيس روس؟ كان ميتشل، علي سبيل المثال، بين أول الداعين إلي وقف الاستيطان الإسرائيلي معتبرا أنه عقبة في طريق أي تسوية. أما روس الذي عمل مع كل الإدارات في السنوات الخمس والعشرين الماضية، فإنه رفض دائما ممارسة أي ضغط علي إسرائيل من منطلق أنه يجب التفاهم معها مسبقا قبل صدور موقف أمريكي في أي شأن كان. كيف التوفيق بين ميتشل وروس في غياب موقف رئاسي واضح وحاسم في آن؟ لكن المهم وسط كل ذلك أين تقف هيلاري كلينتون؟ هل وزيرة الخارجية مجرد لاعب ثانوي في الإدارة في وقت يحتاج الشرق الأوسط أولا واخيرا إلي شخصية أمريكية قوية تفاوض باسم الرئيس وتتحدث باسمه؟ نجح هنري كيسينجر في السبعينيات لأنه كان يتكلم باسم ريتشارد نيكسون. ونجح جيمس بايكر في الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي لأنّ كل ملك أو أمير أو رئيس في الشرق الأوسط كان يعرف تمام المعرفة أن الرجل يمثل جورج بوش الأب. لذلك، استطاع بايكر التحكم بالقرار الإسرائيلي وجرّ رئيس الوزراء، وقتذاك، اسحق شامير إلي مؤتمر مدريد. لم يجد شامير، وهو الأب الروحي لبيبي نتانياهو، ما يقوله سوي إنه سيفاوض من أجل التفاوض، لكنه اضطر للذهاب إلي مدريد. من الواضح حاليا أن باراك أوباما ليس مجرد رئيس متردد فقط، بل إنه لا يمتلك في الوقت ذاته وزيرا للخارجية يستطيع التكلم باسمه في حضرة الملوك والأمراء والرؤساء. أكثر من ذلك، ليس في استطاعة وزير الخارجية الأمريكية طرح مشروع واضح أمام الذين يلتقيهم. لذلك، يبدو التعاطي مع الإدارة الحالية اقرب إلي إضاعة للوقت من أي شيء آخر. ما هذه الإدارة التي لا وجود لصوت واحد يتحدث باسمها؟ وما هذه الإدارة التي لا تمتلك رؤية محددة لما يمكن أن تكون عليه التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ شئنا أم أبينا، أن هيلاري كلينتون، التي رافقت زوجها عندما كان في البيت الأبيض طوال ثماني سنوات، تعتبر أكثر المسئولين خبرة في شئون الشرق الأوسط. تحدثت عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية قبل أي مسئول أمريكي عندما كانت لا تزال مجرد"السيدة الأولي". عندما تستعيد هيلاري ملف الشرق الأوسط وملف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وتصبح المتحدث الرسمي الوحيد باسم الرئيس يعود هناك أمل بتسوية. في الوقت الضائع، ليس أمام الفلسطينيين سوي متابعة بناء مؤسسات لدولتهم بغض النظر عما إذا كان باراك أوباما سيوافق علي دعم شخص يتحدث باسمه استنادا إلي خطة سلام واضحة أم لا...