جاء أحمد زكي بدر وزيرا للتعليم مدعوما بمنهجه المعلن كرجل يحرص علي الانضباط ويصر علي التنظيم، بغض النظر عن رؤيته لبقية عناصر العملية التعليمية. سيرته معروفة وطريقته معلنة ورسائله الأولي إلي المجتمع التعليمي كانت صريحة جداً لا التفاف فيها.. ومن ثم لم يكن مفاجئا لأحد علي الإطلاق. لا يمكن أن تطور التعليم في مدارس خاوية.. ولا يمكن أن تتوقع انتظام الدراسة في فصول لا يدق علي أبوابها جرس الدقة.. ولا كلام عن تطوير في المناهج إذا كان طرفا العملية التعليمية «المدرس وخلفه المدرسة - والتلميذ وخلفه أسرته» لا يريدان أن يلتقيا في المدرسة.. حيث يجب أن يكون التعليم.. وتطبق القواعد والمعايير.. وإنما أن يتقابلا في البيت.. حيث يدفع للمدرس أجراً آخر اضافياً. في منظومة الدروس الخصوصية. كان من المتوقع أن يجد الوزير مقاومة أكيدة من مجموعات أصحاب المصالح التي استمرأت الأوضاع الفوضوية المقيتة.. وعنوانها أن المدارس الخاوية التي لا ينعقد فيها طابور ولا يجلس فيها تلميذ يوماً كاملاً أصبحت هامشية لصالح مدارس منزلية عائلية وكتب خارجية.. لكن اللافت هو أن الذين بدأوا في الاعتراض علي نظامية الوزير وانضباطه هم أولياء أمور.. وصحف يفترض فيها أن تدعمه.. وجماعات يضيرها أن تنتهي الفوضي. مضي زمن طويل لم أكن أري فيه تلميذاً يهرول إلي المدرسة لكي يلحق بالمدرسة قبل أن تغلق بابها.. فقد كانت المدارس فترة ممتدة تقريباً بلا أبواب.. يدخلها من يشاء وقتما يشاء ويخرج منها حين يريد.. وإذا كان الوزير يواجه الآن مطالبات عنيفة بالسؤال عن الكتاب المدرسي الذي يقال إنه لم يصل بعد إلي التلاميذ في بعض السنوات.. فإن هذا يعني علي الأقل أن هناك حرصا علي أن يكون الكتاب في يد التلميذ.. فقد ظللنا سنوات نصادف بداية العام الدراسي دون أن نشعر.. إلا من بعض زحام المرور. لابد أن يجد الوزير بدر دعما متزايداً منا. ولابد أن نسانده. خصوصاً في مسألة النظام والانتظام.. وأيضا في مسألة الكتب الخارجية التي تجد تعضيدا مكثفا من أصحاب المصالح.. وقد انجرف وراءهم أولياء أمور أدمنوا هذا النوع من الكتب.. قبل أن يدمنها أولادهم.. بحيث صاروا يقتنعون أنه لن تقوم للعملية الدراسية أي قائمة بدون تلك الكتب التي تدر الملايين علي ناشريها. معضلتان في هذا الجدل. الأولي تتعلق بسمعة الكتاب المدرسي الرسمي التي أهينت سنوات.. شكلا ومضموناً بحيث لم يعد يثق فيه التلميذ أو أبوه.. وسوف يكون مطلوبا من الوزير أن يعيد بناء تلك السمعة.. خلال عام أو عامين.. اعتمادا علي أن هذا الكتاب هو المصدر الأساسي والأهم للتحصيل ولأسئلة الامتحان.. مقابل سمعة زائفة صنعتها دور النشر للكتب الخارجية.. وبدلا من أن تصبح معاونة أصبحت هي الأساس.. فانهار معني المجانية.. ومن ثم قبل الناس أن تنفق المليارات علي كتب الدراسة.. وأن يدفعوا مليارات أخري لكتب دور النشر. المعضلة الثانية تتعلق بالضغوط التي تمارسها دور النشر.. جماعة مصالح جديدة كشفت عن حجم تغلغلها في المجتمع.. وتأثير أعضائها في عدد من وسائل الإعلام.. وبما في ذلك بعض الشاشات.. قوة تلعب في مليارات ولا تريد أن تتنازل عن القليل منها.. رغم أن الكتب الخارجية لا تقوم إلا علي الكتب المدرسية.. والأمر مرتبط من جوانب أخري بتعقيدات مؤثرة في علاقات الصحافة والمؤسسات المختلفة.. ما يبرر الحرب الجارية سراً وعلناً في السوق. ما يهمنا في هذا السياق هو أن أحمد زكي بدر رجل دولة في البداية والنهاية. تختلف أو تتفق معه.. فإن لديه شرعية أن يطبق رؤيته المعلنة.. وأن يواجه بطريقته الانفلات الذي لا يمكن أن يحابيه أحد.. رغم النفاق الجاري في منابر مختلفة لتدعيم الفوضي.. ولذا فإن علينا أن نقف بجانبه.. ونشد علي يد منهجه.. ونؤكد عليه. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]