هذه محاولة أخري وليست أخيرة للقضاء علي الدولة اللبنانية من منطلق أن لبنان لا يمكن أن يعيش دون وصاية وأنه وطن لا يستحق الحياة.. في مطار بيروت الدولي، مطار رفيق الحريري، انتصرت دويلة "حزب الله"، وهو لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، علي الدولة اللبنانية وكأن الانتصار علي لبنان بديل من الانتصار علي إسرائيل، الانتصار ليس نهائيا بعد، بل هو أقرب إلي معركة في سياق حرب طويلة يتعرض لها الوطن الصغير منذ العام 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشئوم وحتي قبل ذلك عندما بدأ السلاح غير الشرعي الفلسطيني وغير الفلسطيني يتدفق علي لبنان عن طريق جهة معروفة. كثيرون مرّوا علي مطار بيروت... ثم رحلوا.. لم تكن تلك المرة الأولي التي تجتاح فيها إحدي الميليشيات المطار لتأكيد أنها تتحكم بمفاصل الدولة وببوابة لبنان علي العالم.. سبق للمسلحين الفلسطينيين أن فعلوا ذلك علي طريقتهم وإن ببعض الخفر والحياء.. كذلك سبق للسوريين، كنظام وليس كشعب طبعًا، أن فعلوا ذلك واستخدموا كل الرموز، بما في ذلك الحواجز الأمنية التي تدقق في هويات المسافرين اللبنانيين، لتأكيد أن المطار تابع لهم.. رفعوا لمدة طويلة الصور والشعارات التي تشير دون لبس إلي أن المطار خاضع للسيادة السورية وأنه مطار تابع، أو ملحق بمطار آخر ليس إلاّ. لا جديد، إذاً، فيما يخص المطار.. كل من يريد وضع يده علي الدولة اللبنانية فعل ذلك انطلاقاً مما هو متوافر لديه.. في هذه الأيام، المتوافر ضابط لبناني متقاعد موضوع في الواجهة في المعركة التي يخوضها "حزب الله" ومن هم وراءه في دمشق وطهران مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المهم وسط كل ما يجري، أن المطار رسالة موجهة إلي كل من يهمه الأمر فحواها أن علي المجتمع الدولي التعاطي مع "حزب الله" في شأن كل ما له علاقة بالمحكمة الدولية وأن المعادلة المطروحة في غاية البساطة: إما لبنان أو المحكمة الدولية، لن يكون وجود للبنان والمؤسسات اللبنانية في حال تابعت المحكمة الدولية، التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخري التي سبقت الاغتيال وتلته، القيام بالمهمة المنوطة بها. بعد غزوة المطار بحجة أنه من الضروري أن يكون ضابط سابق قد هدد رئيس مجلس الوزراء فوق القانون، يمكن القول إن "حزب الله" أقدم علي خطوة تصعيدية جديدة تندرج في سياق تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وتأجيج الفتنة الطائفية والمذهبية في الوقت ذاته.. ما يفترض بكل لبناني ألا ينساه، أن تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية مستمر منذ ما قبل اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005، فرفيق الحريري مُنع من الإقدام علي أي خطوة تصب في خدمة بناء المؤسسات بما في ذلك السعي إلي إرسال الجيش اللبناني إلي جنوب لبنان في مرحلة معينة.. فجأة وبعد حرب صيف العام 2006 واستنجاد "حزب الله" بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة الشرعية، وهي حكومة مقاومة حقيقية، صار إرسال الجيش اللبناني إلي الجنوب ضرورة وطنية ولم يعد الجيش "حارساً" للحدود مع إسرائيل لتبرير منعه من تأدية مهمته الوطنية... وهي المهمة التي وجد من أجلها أصلاً. من سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي جاءت مباشرة بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وصولاً إلي الأحداث الأخيرة في الجنوب اللبناني حيث بات ممنوعاً علي القوة الدولية، بواسطة ما يسمّي "الأهالي"، تنفيذ مهماتها بموجب القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن، مرورًا بافتعال حرب صيف العام 2006 لتمكين إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية للبلد ثم الاعتصام في وسط بيروت وتعطيل الحياة فيها لاستكمال ما عجز العدوان الإسرائيلي عن القيام به، هناك خيط رفيع يجمع بين كل هذه الأحداث، إنه الخيط ذاته الذي يربط بين أحداث مخيم نهر البارد وغزوة بيروت والجبل الدرزي في السابع والثامن والتاسع والعاشر من مايو 2008 وصولاً إلي غزوة المطار وقبلها الصدامات ذات الطابع المذهبي الفاقع والمستهجن في منطقة برج أبي حيدر.. هذا الخيط اسمه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لم تعد هناك أسرار في الوطن الصغير.. اللعبة صارت مكشوفة.. هناك حرب متجددة علي لبنان من أجل الغاء المحكمة الدولية.. السؤال: هل يستمر الشعب اللبناني في مواجهة الحرب وحده، أم هناك بين العرب من هو علي استعداد لقول كلمة حق، بما في ذلك أن المعركة معركة عربية أيضاً، بل معركة عربية بامتياز؟ ما يتعرض له لبنان حالياً ليس أمراً طبيعياً يمكن المرور عليه مرور الكرام، إنها عملية وضع يد من الدويلة الإيرانية القائمة داخل الأرض اللبنانية علي الدولة اللبنانية.. تشمل هذه العملية تدمير المؤسسات الواحدة تلو الأخري مع تركيز خاص علي القضاء وعلي الأجهزة الأمنية.. ينفذ هذه العملية حزب لديه إمكانات مالية ضخمة وميليشيا قادرة علي اجتياح مناطق لبنانية واسعة وأدوات كثيرة لا تحصي بينها أداة مسيحية اسمها النائب ميشال عون، هذا النائب الذي لا يخجل من وضع نفسه في تصرف من أقدم علي غزوة مطار بيروت وتوفير غطاء لكل من يخرق القانون. الأدهي من ذلك كله، أن كل ما نشهده اليوم في لبنان يصب في خدمة فتنة مذهبية يمكن أن تؤدي إلي تفجير المنطقة كلها.. تكفي نظرة إلي ما تتعرض له الكويت والبحرين والعراق، علي سبيل المثال وليس الحصر، لإدراك مدي خطورة الوضع الإقليمي الراهن.. أكثر من ذلك، تكفي نظرة إلي كيفية توظيف الخلافات المذهبية في تهميش العرب، للتأكد من أن الحرب علي لبنان حرب علي العرب أيضًا. نعم هناك حرب علي لبنان، هناك من هو علي استعداد لإلغاء لبنان في حال لم تلغ المحكمة الدولية.. لماذا لا يكون هناك موقف عربي واضح، ولو لمرة واحدة، يسمي الاشياء بأسمائها ويقول من المعيب ترك لبنان وحده في مواجهة من يعتبرون أن منطق الدويلة أقوي من منطق الدولة وأن مسلسل الاغتيالات الذي بدأ في العام 1977 بكمال جنبلاط يجب ان يستمر دون حسيب أو رقيب وأن منطق العدالة لا وجود له في بلاد الأرز. * كاتب لبنانى