الجماعة ضد الحضارة الإنسانية وليس مصر وحدها إذا كان الخبر للقارئ والرأي لكاتبه.. فقد وافقت بالأمس علي نشر خبر عنوانه: (المحظورة ترفض الاعتذار عن العنف حتي يعتذر عبدالناصر والسادات من الآخرة الإخوان: السياسة دين.. والدين سياسة.. وعلي الجميع أن يتقبلنا هكذا كي نقبله).. وبعد الخبر يأتي الرأي. فيما قال الإخوان (عنطزة فارغة) و(تكبر يتسلح بالحمق).. وفيه تعد علي زعماء ماتوا.. فضلاً عن تعد علي مقام الموت.. وانعدام نبل.. وهذا ضد الأخلاق وضد الدين.. وقد حض الدين علي مكارم الأخلاق.. لكن الإخوان قد لا يعرفون من الدين إلا أنه وسيلتهم التي يوظفونها من أجل تحقيق أهداف السياسة. وفي مضمون ما جاء في الخبر الكثير مما يستوجب التعليق.. ولكني أتوقف عند هذا (الاعتذار المستحيل) الذي يعلن الإخوان أنهم سيقدمونه حين يأتي كل من الرئيسين عبدالناصر والسادات من القبر لكي يعتذرا للإخوان. لست أدري عما يمكن أن يعتذر الرئيس عبدالناصر وإن اختلفت مع منهج اتبعه إلا أنني أقدر دوره ومكانته، ولست أعرف عما يمكن أن يعتذر الرئيس السادات وكان صاحب إنجاز تاريخي نقل مصر من هزيمة إلي نصر.. أيعتذر عبدالناصر عن أن الإخوان حاولوا اغتياله.. وإن محاولتهم كانت علامة في سجلهم الإرهابي.. حوكموا عنها.. وعوقبوا عليها.. ولم ينكروها.. أيعتذر السادات عن أنه هو الذي أخرج الإخوان من السجون وأعطاهم فرصة العمل إلي أن انقلبوا ضده وعليه.. وعاونوا بالفكر من اغتالوه. إن الكثيرين ينسون أن عددًا من كوادر الجماعات الإسلامية والجهادية المتطرفة في السبعينيات قد تم استقاطبهم من جماعة الإخوان.. وانضموا إليها.. وبعضهم الآن في مكتب الإرشاد.. ما يعني الكثير.. وما يشير إلي قنوات كانت ولم تزل مفتوحة بين الجماعة التي تسوق الآن أنها معتدلة في حين أنها كانت ولم تزل بيت الداء وأصل الوباء ومنبع التطرف. وفي ذلك أشير إلي أن أهم لوم كتب ودون للجماعة الإسلامية حين اعتذرت عن اغتيال السادات جاء من الإخوان المسلمين وبقلم الدكتور عصام العريان.. والمقال مشهور.. وموجود علي الإنترنت.. ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك كيف أن الجماعة تثني علي فعل العنف وترفض الرجوع عنه.. ليس فقط لأنها تري أن اعتذار الآخرين سوف يضعها أمام مسئولية اعتذار تال واجب عليها.. وإنما أيضًا لأنها تجد أن علي هؤلاء المسلحين أن يقوموا بما غسلت إليه رؤوسهم من ترويع الناس.. بينما هي تدعي أنها غير متطرفة. الإخوان جماعة لا يمكن أن أن ينجيها اعتذار.. وإن سخرت من زعماء في قبورهم.. وإن استهزأت بالموت نفسه.. ذلك أن رصيدها في تدمير المجتمع أقوي وأكبر وأكثر امتدادًا من أن يمحوه اعتذار واحد.. وإلا فإنهم بعد أن يعتذروا للسادات وعبدالناصر عليهم أن يعتذروا للنقراشي باشا.. وللقاضي الخازندار.. وإن يعتذروا عن أن متهميهم هربوا الأسلحة في قضية السيارة الجيب.. وكان أحد مرشديهم (مصطفي مشهور) من أبرز المتهمين في تلك القضية وأحد أهم كوادر النظام السري الذي نفذ عمليات العنف.. ولست أدري إلي ماذا أرشدهم خلال فترته.. وهو الذي تربي علي حمل السلاح.. وطعن المجتمع.. والتعدي علي شرعيته. لكل شيء أصل.. ولكل سيرة فصل.. وللإخوان فصول وأصول.. والتاريخ يقول إن تلك الجماعة صادمت واصطدمت مع مختلف القوانين في مختلف العصور.. وعادت النظام الملكي وعادت النظام الجمهوري.. ولم يحترم عصرًا.. ولم تسلم منها حقبة.. وفي كل زمن كانت لهم جريرتهم.. وكانت لهم خطاياهم.. وصولاً إلي الاستعراض العسكري لطلبة الإخوان داخل حرم جامعة الأزهر.. حيث كان من المفترض أنهم يدرسون العلم.. فوجهوا للمجتمع رسالة بطوابير الميليشيات. والأمر في رأيي أخطر من أن يكون مقصورًا علي جريمة يحاول الإخوان طمسها.. أو فعل عنيف يحاولون التغطية عليه.. أو إرهاب يحاولون تبريره.. هو أعقد من هذا بكثير.. ولا علاقة له بمرحلة.. ولا ارتباط له بفترة.. وإنما له علاقة ارتباط بعمق أيديولوجية الجماعة.. وصميم تكوينها.. الذي لو سوئلوا عنه لكان عليهم أن يعتذروا ليس لمصر فحسب وإنما للعالم كله.. ولحضاراته المختلفة. الجريمة الأخطر للإخوان ليست فقط اغتيال النقراشي والخازندار وعمليات ترويع الأربعينيات ومؤامرات الستينيات والحض علي العنف في السبعينيات وتقويض الديمقراطية من الثمانينيات وحتي الآن.. وإنما في أنهم ساندوا الفكر الذي نما وترعرع إلي أن اصبح تنظيما ارهابيا دوليا عنقوديا منتشرا في كل أرجاء الأرض.. اعلن عن نفسه في جريمة 11 سبتمبر.. ولم يزل يمثل تحديا لأمن العالم واستقراره وليس أمن واستقرار مصر وحدها. الإخوان هم أصل تنظيم القاعدة. هم وعاء فكر أعضائه. ومصدر ايديولوجيتهم.. وأساس هذا ما وضعه حسن البنا.. وما رسخه وأصله سيد قطب.. في كتابه الشهير معالم علي الطريق.. الذي كفر فيه مجتمع ووصفه بالجاهلية وأوجب الانقلاب عليه.. وأعطي الإخوان شرعية ليست لهم كما لو أنهم ينتمون إلي عصر النبوة.. التي كانت انقلابا علي الجاهلية.. فمنحهم ما ليس لهم وأفتي بما يمثل عنوان الخراب حتي اليوم. علي أساس فكر سيد قطب الذي لم يراجع من الإخوان ولم يلفظ، جرت وقائع العنف العظيم الذي شهدته مصر في التسعينيات، واستحلت الأموال، وروع الأقباط، وقتل السائحون، وعلي أساس نفس الفكر تشكلت ظاهرة الأفغان العرب التي ساهم الإخوان في نشوئها وجمع التبرعات من أجلها.. فتحول هؤلاء إلي قنابل بشرية متفجرة في مصر والسعودية والسودان والجزائر وتونس والمغرب ولبنان.. ومن ثم في مختلف دول أوروبا. أقطع جازما أنه لا يوجد تنظيم ديني متطرف وعنيف لم يقرأ أعضاؤه - في عملية تأهيلهم لما هم مقدمون عليه من ارهاب - كتاب سيد قطب، وأوقن أن هذا الكتاب وذاك الفكر لم يزل تتربي عليه أجيال الجماعة المحظورة.. وقد دعيت الجماعة بعد 11 سبتمبر إلي مراجعة الفكر القطبي فكان أن وضعت علي رأسها مرشدا ينتمي إليه.. اسمه محمد بديع لما نطق كان أن اعتبر أن المجتمع نجاسة والحكومة كذلك.. وأنه ينتمي إلي الأيدي المتوضئة.. ولا يفرق هذا عما كفر به سيد قطب المجتمع.. ولا يختلف كما قلت في مجلة «روز اليوسف» عن تقسيم أسامة بن لادن العالم إلي فسطاط كفر وفسطاط إيمان.. فبديع قسم مصر إلي فسطاط نجاسة وفسطاط الإخوان الذين يدعون الطهر.. فهل هؤلاء هجروا العنف.. أم أنهم وضعوه فوق مالهم.. وقرروا أن يكون قائدهم.. وقالوا له خذنا إلي حتفنا وحتف المجتمع. لقد تسبب الإخوان في خسائر عظيمة للحضارة العالمية.. فضلا عما يقومون به في مصر.. وإذا افترضنا جدلاً أن أسامة بن لادن اعتذر عما اقترف.. وهو اعتذار لا ينفي المصيبة التي ألمت بالمسلمين وغيرهم نتيجة لفعلته.. فإن الإخوان سيكونون مطالبين بالاعتذار قبله.. عملا بأن الاعتذار وحده لا يكفي.. وإنما الرجوع عن الفكر وإعلان خسرانه. وحتي لو أنهم اعتذروا عن الجرائم والاغتيالات التي شاركوا فيها أو أوعزوا بها ودفعوا المتطرفين إليها.. فكيف يمكن أن يمحو اعتذار يتقدمون به جريمتهم في حق آلاف من البشر غسلوا عقولهم وأساءوا إلي نفوسهم وافسدوا أرواحهم بفكر عقيم وتكفير مقيم؟ www.abkamal.net [email protected]