«الداخلية» تنظم أولى الدورات التدريبية مع إيطاليا عن «الهجرة غير الشرعية»    «إسكان النواب» توافق على موازنة الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي    تداول 118 ألف طن و 535 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموائ البحر الأحمر اليوم    استشهاد 34 فلسطينيا في غزة من بينهم 22 برفح (تفاصيل)    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    أنشيلوتي لا يعرف الخسارة أمام بايرن في دوري أبطال أوروبا    «لازم اعتذار يليق».. شوبير يكشف كواليس جلسة استماع الشيبي في أزمة الشحات    تعرف على حقيقة تسمم مياه الشرب في مركز قوص بقنا    بعد رحيله.. تعرف على أبرز المعلومات عن المخرج والسيناريست عصام الشماع (صور)    الجندي المجهول ل عمرو دياب وخطفت قلب مصطفى شعبان.. من هي هدى الناظر ؟    إيرادات قوية لأحدث أفلام هشام ماجد في السينما (بالأرقام)    وزير الصحة: توفير رعاية طبية جيدة وبأسعار معقولة حق أساسي لجميع الأفراد    فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. «البحوث الإسلامية» يطلق حملة توعية شاملة بمناسبة عيد العمال    إعلام عبري: عشرات الضباط والجنود يرفضون المشاركة في اجتياح رفح    مصرع 42 شخصًا على الأقل في انهيار سد شمال نيروبي    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين من البصخة المقدسة بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    صعود سيدات وادي دجلة لكرة السلة الدرجة الأولى ل"الدوري الممتاز أ"    عرض صيني لاستضافة السوبر السعودي    عواد: كنت أمر بفترة من التشويش لعدم تحديد مستقبلي.. وأولويتي هي الزمالك    كيف احتفلت الجامعة العربية باليوم العالمي للملكية الفكرية؟    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    «أزهر الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات «النحو والتوحيد» لطلاب النقل الثانوي    استمرار حبس 4 لسرقتهم 14 لفة سلك نحاس من مدرسة في أطفيح    محافظ أسيوط يشيد بمركز السيطرة للشبكة الوطنية للطوارئ بديوان عام المحافظة    القومي لحقوق الإنسان يناقش التمكين الاقتصادي للمرأة في القطاع المصرفي    1.3 مليار جنيه أرباح اموك بعد الضريبة خلال 9 أشهر    أبو الغيط يهنئ الأديب الفلسطيني الأسير باسم الخندقجي بفوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    محافظ الغربية يتابع أعمال تطوير طريق طنطا محلة منوف    مركز تدريب «الطاقة الذرية» يتسلم شهادة الأيزو لاعتماد جودة البرامج    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    عامر حسين: لماذا الناس تعايرنا بسبب الدوري؟.. وانظروا إلى البريميرليج    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    كشف ملابسات واقعة مقتل تاجر خردة بالإسماعيلية.. وضبط مرتكب الواقعة    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    مصرع شخض مجهول الهوية دهسا أسفل عجلات القطار بالمنيا    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    رمضان السيد: الأهلي قادر على التتويج بدوري أبطال إفريقيا.. وهؤلاء اللاعبين يستحقوا الإشادة    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    سعر الذهب اليوم الاثنين في مصر يتراجع في بداية التعاملات    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    بايدن: إسرائيل غير قادرة على إخلاء مليون فلسطيني من رفح بأمان    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد رائف‮:‬ عبدالناصر‮ خرج من التاريخ
نشر في الوفد يوم 15 - 12 - 2010

خرج جمال عبدالناصر من التاريخ فجأة بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس‮.. واختلفوا علي طريقة مغادرته،‮ ولايزالون حتي الآن‮. فمن قائل إنهم الأمريكان الذين قتلوه‮. . وآخرون‮ يقولون الروس‮.. وتناولت هذه التهمة أسماء كثيرة نسب هذا الشرف إليها‮. والله أعلم بالحقيقة‮.‬
ونقل الشهود أنه بعد أن قام بتوديع أمير الكويت‮ يوم‮ 28‮ سبتمبر‮ 1970‮ ورفع الأسد‮ يده بالتحية قبل أن‮ يدخل الطائرة ويقفلوا الباب‮.. وقيل إنه قال لأقرب واحد‮ يقف علي مقربة‮.. وكانوا‮ يملكون البلاد والعباد،‮ وبيدهم مقاليد كل شيء‮:‬
أنا مش شايف‮.. مش قادر أحرك رجلي‮.. هاتوا العربية‮.. ولما تغرب شمس هذا النهار حتي كان في عداد الأموات ومثل للحساب حسب عقيدتنا كمسلمين‮.‬
واهتزت مصر والعالم لهذا الخبر‮.. ولكنه قد مات‮.. والذي‮ يموت لا‮ يعود‮.‬
وذهب السادات في لمحة من نهار‮.. ولم‮ يحظ بتقدير شعبه‮.. رغم أنه الذي أخرج المصريين من الظلمات الي النور إن جاز هذا التعبير‮.. ولولاه لكنا نتخبط في أمور لا نعرف أولها ولا نري آخرها مثل محمود عباس ومحمد دحلان‮.. ولولاه ما كانت هناك تلك الطرق التي تمر فوق القاهرة شمالاً‮ وجنوباً‮ وشرقاً‮ وغرباً‮.. ولعلنا لاننسي التليفونات كيف كانت وكيف أصبحت‮.. وكل ما نراه الآن الذي وقع عقده وبدأ فيه هو السادات‮.. والذي جني ثماره أضعافاً‮ مضاعفة هو الرئيس حسني مبارك‮.. ونسي الناس في زحمة المشكلات من صاحب المشروع الأول‮.‬
لم‮ يكن أحد من المصريين‮ يتوقع موت عبدالناصر عندما مات‮.. وكذلك كانوا عندما مات السادات‮.. وهم علي‮ يقين من أن الرئيس مبارك‮.. مد الله في عمره لن‮ يموت‮. فقد حقق استقراراً‮ لم‮ يعد أحد‮ يستطيع الاستغناء عنه‮. والسادات هو أعظم من اغتصبوا الحكم في العصر الحديث أو مصر الثورة،‮ أو بعد انقلاب‮ 23‮ يوليو الذي صنعه الإخوان المسلمون عن جهل وعدم وعي بالنواميس وقوانين السياسة والأخلاق،‮ في أمة أمية لا تحسن الفهم ولا تعرف قواعد النهضة وشروطها ومقتل السادات في حد ذاته‮ يبين العمي السياسي الذي‮ يصيب الحركة الاسلامية وقادتها،‮ وهو‮ يشير أيضاً‮ الي الضلال الديني،‮ وعدم وضوح الرؤية وضيق الأفق‮. وما نحن فيه أكبر دليل علي هذا‮..‬
صحيح أن الذين ارتكبوا جريمة اغتيال السادات قد اعتذروا عنها،‮ وظهر لهم جهلهم واعترفوا به‮.. ولكن من‮ يحاسب علي ثلاثين سنة من ضياع أمة،‮ لو لم‮ يقتل السادات لاختلفت الأمور،‮ والتداعيات التي جرت كيف نعود بها القهقري‮.. وليس أمامنا‮ غير جمال مبارك خير خلف لخير سلف كما‮ يقولون‮.. ولو أن صورة الأستاذ علاء مبارك قد عادت الي الظهور وهي تخفف من صورة جمال مبارك القاتمة التي قد لا‮ يقبلها البعض‮.. وتبدو صورة علاء بابتسامة مشرقة وهو‮ يحمل علي كتفه مصيبة عائلية تجعل قلبه رقيقاً،‮ وتجعل كفه رحيمة عندما تنزل علي أقفيتنا‮.. والحكم لمن لا‮ يعرفه في مصر هو ضرب علي القفا بقسوة قاتلة تسبب الموت كما كان في عهد الرئيس محمد جمال عبدالناصر حفظه الله‮.. أو دون ذلك لمن‮ يشاء‮.. وهذا‮ غاية ما‮ يطلبه المصريون من الحاكم،‮ وعلي الأخص في تلك الأيام أو السنين المدلهمة التي لا نعرف فيها ما لنا أو ما علينا‮.. ونعيش‮ يوماً‮ بيوم ونأمل أن‮ يأتي الغد بالمقبول من الأمور الصعبة‮.‬
أنشأ السادات الأحزاب وسمي بعضها،‮ وفتح الباب لتطور محمود‮.. ولكن ها نحن اليوم نجد أنفسنا بعد ثلاثين سنة،‮ وبعد أن مات رحمه الله نعود للاتحاد القومي،‮ والكل‮ يتنافس في عبادة الحاكم الواحد الأحد،‮ الفرد الصمد‮.. وهذا ما لن‮ يقوي أحد علي الاستمرار فيه‮.. وسيأتي الغد بصدق هذا التنبؤ‮.‬
صحيح أن أجيالاً‮ ثلاثة قد نشأت في الفساد والضلال والاستبداد ولا تعرف‮ غير الحاكم الواحد‮.. ولكن هل‮ يستمر هذا؟ لا أظن‮!!‬
استفتاءات عبدالناصر
جعل عبدالناصر الانتخابات صيغة واحدة‮ غامضة وعود الناس عليها‮.. وما أسهل ذلك عندما نستخدم العصا والكرباج والضرب علي القفا‮.. وعلي فكرة مسألة الضرب علي القفا هذه لا تعرفها الحضارات الأخري‮.. ولو عرف القائمون علي العمل هناك مدي ألمها وقسوتها لربما اعتبروها ضمن مناهج التأديب‮.‬
وقالوا تنتهي ثلاث سنوات انتقالية ونقيم عرساً‮ بهيجاً‮ للديمقراطية ونعمل استفتاء‮: هل توافق علي الرئيس جمال عبدالناصر رئيساً‮ للجمهورية والسؤال الثاني هل توافق علي الدستور؟
وهناك علامة خضراء علي هيئة دائرة بها فجوة مفرغة‮.. وعلامة سوداء علي نفس الشكل‮.. والموافق‮ يسود الخضراء وغير الموافق‮ يسود السوداء وتصبح حياته سوداء في هذا اليوم الأغبر الكئيب فقد ضرب فيه عدد كبير من المواطنين‮.. ثم ألقوا بالأوراق التي اكتظت بها النصاديق في خلاء من الأرض،‮ وأعلن نجاح الرئيس جمال عبدالناصر وأن الدستور الذي لم‮ يقرأه أحد،‮ وليس في وسع المواطنين قراءته والحكم عليه‮.‬
ولكن هذا ما حدث وسارت مصر خطوات في النفق المظلم‮!‬
ثم قالوا مجلس الأمة والانتخابات‮.. وتقدم المرشحون علي مبادئ ثورة‮ 23‮ يوليو‮.. كلهم علي بكرة أبيهم‮.. واستبعدت اللجنة الموكلة بالموافقة عدداً‮ كبيراً‮ من المرشحين كنت أعرف بعضهم في دائرتنا بمدينة شبين القناطر‮.‬
وأصبح الصراع بين اثنين من المرشحين هما‮: الأستاذ محمد حسن الفقي رحمه الله وكان ابن عمدة شبين القناطر‮.. وكان رجلاً‮ فاضلاً‮ صاحب وجاهة،‮ ولجأ الي المجلس من هذا السباب ولكنه فاضل محبوب‮ يحب الخير وينتظر منه الخير‮.‬
أما الآخر فهو المرحوم الصاغ‮ محمد محمود هاشم وهو من ضباط المدفعية ومن رفاق كمال الدين‮ حسين‮..‬
وتفوق محمد حسن الفقي علي محمد محمود هاشم رحم الله الجميع‮.. وجاءت التعليمات بنجاح محمد محمود هاشم‮.. وأوحي البعض الي محمد حسن الفقي بالشكوي،‮ فاشتكي‮.. وهمس له مدير الأمن وكان‮ يعرف أباه‮:‬
هوه انت مش عاوز تبيت مع العيال‮.. اسحب شكواك‮.. وسحب الرجل شكواه‮.. وهو‮ يردد خارجاً‮ من المديرية‮:‬
كلنا جمال عبدالناصر‮.. كلنا جمال عبدالناصر‮.‬
وقدمت شكاوي كثيرة في أنحاء مصر،‮ لكنهم لم‮ يضربوا أحداً‮ أو‮ يعتقلوه ولكنهم لم‮ ينظروا في شكواه‮.‬
وإن لم تخني الذاكرة فقد كان ذلك بعد انتصارنا في معركة السويس وطردنا للإنجليز والفرنسيين واليهود‮.. وجاء برلمان‮ 1957‮ والذي كان رئيساً‮ له عبداللطيف بغدادي منافس عبدالناصر وعدوه اللدود وهو الأحسن والأكثر كفاءة والأقدر علي الحكم في تلك الأيام‮.. ولكن كلهم كانوا من الطغاة الجبارين‮.. وهذا شأن أصحاب الملابس الكاكية إن تركوا الحرب وتمسحوا في سجاد الحكم،‮ فشرهم عند ذلك عظيم،‮ والتاريخ‮ ينبئنا بما جري‮.‬
وكان مجلس الأمة قد تم اختيار أفراده فرداً‮ فرداً،ثم تعرضوا بعد ذلك لأزمة الترشيح والانتخاب،‮ وبغض النظر عن التزوير الذي أصبح سمة من سمات الحياة السياسية في مصر،‮ وهو أحد العناصر التي أدت لظهور كتبة التقارير في عقود بعد ذلك‮.. ومن‮ ينظر الآن الي الأسماء الكبيرة الطافية علي وجه الحياة السياسية والاقتصادية في مصر فيصعب ألا نجد واحداً‮ لم‮ يكتب تقارير‮.. وهناك تقارير أتت بصاحبها وجعلته سفيراً،‮ وهناك من جاءت به من سويسرا وجعلته رئيساً‮ للتحرير‮.. وهناك وهناك‮..‬
يعني مجلس أمة قد رأينا كيف كان‮ يعبد الحاكم من دون الله،‮ ورأينا كيف رقصوا فوق الطاولات تحت وميض العدسات ابتهاجاً‮ ببقاء الإله آمون في الحكم بعد فضيحة‮ 1967،‮ ومثل هذا المجلس إن تعرض لمسألة سهلة وبسيطة فلماذا لا تترك له؟ ولكن هذا‮ يتنافي مع القسوة والجبروت والاستكبار في الأرض ومكر السوء‮.. واتفق مجلس الأمة بالإجماع في حق الطالب الحاصل علي الثانوية العامة في الانتساب لأي من الكليات النظرية بغض النظر عن قيمة المجموع،‮ ورفض السيد كمال الدين حسين هذا الكلام وقدم استقالته عندما وجد اجماع المجلس‮.. ورفض جمال عبدالناصر هذه الاستقالة وكانت تأشيرته‮: قرارات مجلس الأمة محل تقدير وسياسة الوزير من سياسة الحكومة‮.. واللي عنده كلمة‮ يوفرها‮!!.‬
وكان في المجلس وكلاء للرئيس جمال عبدالناصر وهؤلاء لا عمل لهم مع عبداللطيف بغدادي رئيس المجلس‮.. وهؤلاء سارعوا بكتابة اعتذارات عن إصرارهم في مسألة انتساب الطلبة وأعلنوا رجوعهم عنها‮.. وعلم البغدادي بالقصة فكتب استقالته‮.. وخاف جمال عبدالناصر من منظره أمام الناس‮.. ولسه الثورة في أولها واتصل بزكريا محيي الدين وطلب منه تسوية المسألة مع البغدادي ودار بين زكريا وبين البغدادي كلام كثير‮ يكتب بحروف من ذهب‮.. ومن ضمن ما قاله زكريا‮:‬
‮ يعني عاوزني أروح أجيب مجلس الشعب‮ يعتذر لك؟
احنا سوف نحل كافة الاختلافات دي في جلسة بالليل‮..
موضوع استقالتك دي مرفوضة ولن‮ يسمح لك بها تحت أي ظرف من الظروف‮.. لم الموضوع‮ ياتيفة‮.‬
كان هذا الكلام أغلبه أمام شهود‮.. وعند عدم وجود أحد كانت النبرة ترتفع الي التهديد الصريح‮.. والبغدادي‮ يفهم أن التهديد له معني‮.. وقد حددت اقامة البغدادي بعد ذلك وضيق علي أهله‮.. وطلب الرئيس جمال عبدالناصر من صلاح نصر كما كتب في مذكراته أن عليه أن‮ يرسل الجند الي بيوت آل البغدادي في قرية شاوة لمصادرة المشغولات الذهبية وقال لصلاح نصر‮:
أنا عارف الناس دي‮.. يحبوا‮ يخبوا الفلوس تحت البلاطة‮.‬
ورد عليه صلاح نصر‮:‬
‮ ياريس أنا لا أفكر في مصلحة البغدادي‮.. أنا أفكر في مصلحة مصر‮.. لا‮ ينبغي أن‮ يقال عنا إننا نأكل بعضنا‮..‬
ووافق الرئيس الرحيم ومنع هذه الفضيحة‮!!‬
هل‮ يمكن تجاهل هذه الأشياء؟ وهل‮ يمكن للحاكم أن‮ ينحط بأخلاقه الي هذا الدرك؟ وان فعل ذلك هل‮ يتمسك به الناس؟ وان تمسكوا به فمن أي جنس هم‮ يكونون؟
لم‮ يفعل عبدالناصر هذا وحده بل كان له أصحاب‮.. وتأشيرته علي استقالة كمال الدين حسين ليست من إنشائه فهو لا‮ يستطيع‮.. ولكنها مذكرات شمس بدران‮.‬
قلنا عن شمس بدران إن كان من شباب الإخوان وكان من أعضاء الجهاز السري وشأنه في ذلك شأن فلان وفلان‮.. وهما اسمان كبيران من الحكومة الحالية،‮ ولكنهما تركا هذا في الزمن القديم كما فعله جمال عبدالناصر وصحبه الكرام‮.‬
كنت أعرف أن شمس بدران كان من الإخوان وذلك قبل أن أراه في التحقيق عام‮ 1965‮ وكان هذا‮ يحز في نفسي ويؤلمني‮.. فكيف‮ يتعرض هذا الأخ لإخوانه بذلك التعذيب القاتل‮.. القاتل قتلاً‮ وليس علي سبيل المجاز‮.. وهو‮ يحقق معهم في‮ »‬حواديت‮« كلها معروفة وان لم‮ يخبر بها زيد أخبر بها عبيد‮..‬
كنت في الفناء وكان‮ يتكلم علي مقربة مني مع بعض أصدقائه وشذاه‮ يملأ الأنف ويذهب العقل فقد كانت روائح باريسية وبذلات ايطالية أو باريسية أيضاً‮.. وهو رقيق ووديع مع أصحابه‮.‬
وكان‮ يتكلم مع صاحب لم أره ولكنني كنت أسمع صوته،‮ وهو‮ يرد عليه ويضاحكه ويداعبه ولا‮ يخاف منه‮.. وأنا في‮ غاية الدهشة‮..‬
وقال له شمس وهو‮ يحاوره‮:‬
سنذهب إلي مطار ألماظة وسيكون معنا‮..‬
وذكر له بضعة أسماء قد نسيتها‮.. ثم استأنف‮:‬
وأنا حاجز في‮ »‬مكسيم‮«..‬
و»مكسيم‮« لمن لا‮ يعرفه مطعم فخيم‮.. وقال‮:‬
وبعد ذلك ضروح الليدو‮.‬
المهم البيات فين؟
زي ما انت عاوز‮.. أجدعها لوكاندة‮.. وبعدين احنا عندنا بيوت آمنة بتاعت المخابرات فيلات وشقق‮..‬
انت بتكلم جد؟
جد الجد بس انت انوي‮..‬
والله ورايا شغل‮..‬
هوه الشغل بيخلص؟‮ ياراجل‮!! ما أنا ورايا شغل أيضاً‮!‬
طيب أنا حا أكلمك بالليل‮..‬
هكذا كانت تدور الأمور‮.. ولا أعرف هل سافروا‮ يومها الي باريس أم لا‮..‬
من الذين أخبروني قبل اعتقال‮ 1965‮ بانتماء شمس بدران القديم إلي جماعة الاخوان هو الشيخ عبدالفتاح إسماعيل قائد التنظيم‮.. وكان‮ يظن أنه وقت الجد لن‮ ينسوا ماضيهم الإخواني وقراءة القرآن والمأثورات والكتائب من أجل دنيا زائلة‮.. وكنت أصدق هذاالكلام ولكنني رأيت إخوان المنيل الكرام نسوا هذه الوشائج مع عدم وجود دنيا زائلة اللهم الا اذا اعتبرنا التأول في أخذ بعض الأموال من هنا وهناك وهذه لا تعتبر من الدنيا في شيء‮.. فأحلام حيتان الإخوان في الدنيا الزائلة أكبر من ذلك بكثير‮..‬
ماذا قال شمس بدران في مذكراته؟
هل ذكر فيها كمية الذهب التي ضبطت في كرداسة والتي قام باخفائها في كرداسة هو وعباس رضوان وزير الداخلية آنذاك‮.. وكتب عن هذا الموضوع موسي صبري‮.. وتم فصله من عمله‮.. وسبه الرئيس‮ عبدالناصر حفظه الله وقال في خطاب مدو سمعناه‮:‬
لاتنسوا أنكم تتكلمون عن ثوار‮.. ولا‮ يجوز تناولهم بهذه الطريقة‮. وقعد موسي صبري في بيته حتي أعاده السادات‮.. ولم‮ يكن‮ يخطر بباله‮ يومها أن مشكلته مثل مشكلتنا لن‮ يحلها الا عزرائيل‮.. في المحاكمة التي جرت حيث كان رئيس المحكمة هو حسن الشافعي عرفنا من الجزء الذي سمحوا بالكشف عنه أنه لم‮ يكن هناك فرق بين المال العام والمال الخاص‮.. وأن مال الدولة كان‮ يملكه الرئيس جمال عبدالناصر ومن‮ ينوب عنه‮.‬
هل سيتكلم شمس بدران عن هذا؟ لا أظن‮!.‬
لأنه لو تكلم فربما‮ يصبح مطالباً‮ برد الأموال التي استحوذ عليها وأدار بها أعماله في بريطانيا‮.. وكان‮ يسافر دون تفتيش وربما امتلك فيلات وشققاً‮ في بلدان أوروبية مختلفة‮.. فهو لم‮ يحقق معه في هذا الباب‮.. ولكننا رأينا زملاءه وفي أيديهم ملايين قليلة من الجنيهات الإسترلينية مثل علي شفيق مثلاً‮..‬
حرم المرحوم حسين كمال الدين
الدكتور محمود جامع من الشخصيات التي لديها في جعبتها الكثير من الأسرار‮.. ومنها مالا‮ يوجد عند‮ غيره،‮ وذلك بفضل علاقاته الوطيدة هنا وهناك‮.‬
وهو رجل فاضل صاحب خلق ويسأل عن المريض حتي‮ يشفي،‮ ويأتيني صوته الجميل عبر الهاتف للسؤال والسلام‮.‬
وفي اتصال بالأمس أخبرني أن هناك نعياً‮ للمرحومة الحاجة سعاد عثمان درويش حرم المرحوم الدكتور مهندس حسين كمال الدين قد نشر‮ يوم الخميس‮ 9‮ ديسمبر‮ 2010‮ وانه قد عرف ان المقصود به هو مجاهد الإخوان القديم وذلك من طبيعة الأسماء المكتوبة وعلي الأخص جهاد‮.‬
والكلام عن المرحوم الدكتور المهندس حسين كمال الدين‮ يأخذ كتباً‮ ولكن قد لاحظ الدكتور محمود جامع أن الإخوان لم‮ يقوموا بالنعي كعادتهم في هذه المناسبات‮.‬
وماذا كان‮ يضير الحاج محمد عبدالبديع لو كتب نعياً‮ لهذه السيدة الفاضلة‮.. وقد أخبرني المرحوم المستشار مأمون الهضيبي أنها رحمها الله قد اتصلت به فجر وفاة زوجها الدكتور حسين كمال الدين لأسباب سأذكرها وقالت له ان زوجها‮ يطلب ان‮ يقوم الاخوان بعمل اللازم من اجراءات التجهيز والصلاة والدفن‮. وقد قام مأمون الهضيبي بذلك رغم امتعاض الكاردينال ريشيليو‮.‬
لعن الله قوماً‮ ضاع الحق بينهم‮!!‬
كان حسين كمال الدين هو المرشح لمنصب المرشد العام بعد وفاة عمر التلمساني لأنه أكبر أعضاء الهيئة التأسيسية سناً‮ وذلك بعد ان تنازل له عن هذا الحق المرحوم صالح ابورفيق وقال‮ يومها في مسجد عمر مكرم وكنت هناك‮:‬
حسين كمال الدين أقدر مني في وظيفة المرشد العام ثم جاءوا بمحمد حامد أبوالنصر بعد أن طلبوا منه التنحي لمصطفي مشهور ولكنه رفض ذلك بشدة ولكنه أصبح عالة حركية وفكرية علي الإخوان‮. وقد صحبته في أكثر من سفر الي خارج مصر،‮ وكان شكله مسيئاً‮ لشدة مرضه ونومه أثناء الجلسات وارتفاع‮ غطيطه‮.. ومصطفي مشهور جالس مستيقظ كالصقر‮. أما د‮. حسين كمال الدين فصاحب كتب في الدين والجيولوجيا‮.. وأبحاث عن القبلة ومركز الأرض‮.. كان قديماً‮ في الإخوان قدم حسن البنا،‮ وكان صاحب فكرة‮ غلق مجلة‮ »‬الكشكول‮« والتي أنشأها بعض الاخوان الأشقياء لسب الوفد بعيداً‮ عنهم وتولي ذلك أمين اسماعيل عليه رحمة الله وآخرون معه وكانت‮ غاية في البذاءة والاسفاف حتي ان واحداً‮ مثل عبدالفتاح حسن باشا نصح بعدم الرد عليها وتجاهلها‮.. وعندما اطلعت علي بعض أعدادها أنكرتها وأحسست بالعتب لمن قاموا بها،‮ ولكن التاريخ لن‮ يغفل هذا العتب‮.‬
تأملات‮:‬
‮* ستحدث أزمات مالية لعدد من نواب الإخوان الذين لم‮ يظفروا بدخول المجلس هذه المرة‮.. تري ماذا سيعملون؟
‮* علي الإخوان العودة إلي الدين من جديد فهم أولي بذلك من الحزب الوطني ومن المصريين‮.. مع ملاحظة أن الدين لم‮ يعد وارداً‮ في أدبياتهم وأحاديثهم‮.‬
‮* الكثير من رجال الدولة المصرية لن‮ يحضروا الانتخابات القادمة بأي حال من الأحوال وهذا حكم الطبيعة‮.‬
‮* تحية واحترام للمستشار محمود الخضيري الذي استطاع اجراء الصلح بين المهندس خالد داود وبين حمدي حسن الدكتور‮.. وقد أخبرني خالد داود أن شقة حمدي حسن قبل النيابة هي هي بعد النيابة لم‮ يحدث فيها تغيير كما حدث للبعض ونحييه لأنه كذلك ونحيي خالد داود لأنه أذاع ذلك وقاله للناس‮.. وخيبة الله‮ عليك‮ يا من كنت تستطيع حل هذا الأمر داخلياً‮ بحكم وظيفتك ولكنه قصر ذيل منك‮.. ومالك بقدرة علي هذا‮. وغاية ما تقدر عليه هو انشاد قصيدة في مدح الرسول بأداء بالغ‮ السوء والرداءة‮.. ولكن هذا مكانك‮..‬
ومكلف الأشياء‮ غير طباعها مسترشداً‮ في الماء جذوة نار القضية سوف أعودإليها بالتفصيل لطرافتها في إدارة الأحزاب والدول والجماعات‮.‬
إشراقات‮:‬
‮* ياذا الذي بصرف الدهر عيرنا
هل عاند الدهر إلا من له خطر
وفي السماء نجوم ما لها عدد
وليس‮ يخسف إلا الشمس والقمر
‮* »‬أينما تكونوا‮ يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة‮«. [‬قرآن كريم‮]‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.