ناقش منذ أيام الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي بالتعاون مع "مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات" بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في ندوة مشتركة موضوعا شائكا هو "مسيحيو الوطن العربي: التاريخ، الدور، المستقبل". القضية ساخنة، وتزداد سخونة. لخص البيان الختامي الصادر عن الندوة عددا من القضايا المهمة في مقدمتها أهمية "بناء الدولة الوطنية التي تحقق العدالة والمساواة بين أبنائها جميعا"، وضرورة إعادة قراءة التاريخ بما يساهم في تجديد دور المسيحيين العرب في الواقع والمستقبل، وبناء دولة القانون، وضرورة العمل علي نشر ثقافة المواطنة وتدعيم مناخ الثقة المتبادلة والتنبه لمحاذير الاستغلال الخارجي، مع التأكيد علي أهمية النضال الحياتي المشترك للمسيحيين العرب مع المسلمين وجميع أبناء الوطن الواحد من أجل احترام جميع الحقوق وفي مقدمتها حقوق المواطنة". وإذا كان البيان الختامي للندوة توقف أمام الصعوبات التي تواجه المسيحيين في العراق، وتدفعهم إلي هجرة أوطانهم، فقد أبدي في الحالة المصرية "الألم والأسف الشديدين لما يتردد من خطابات، وما يجري من أعمال تهدد الوحدة الوطنية وتنذر بالخطر علي العلاقات الإسلامية المسيحية"، وأعرب عن "رفضه خطابات التحريض والاستفزاز ودعوات المقاطعة وأهاب بالأخوة والحكماء المسلمين والمسيحيين المبادرة إلي وأد الفتنة وصدها حتي تبقي مصر كما كانت علي مدي تاريخها نموذجا ومثلا يحتذي للعيش الوطني الواحد بين المسلمين والمسيحيين". وأهاب البيان "بوسائل الإعلام والاتصال المتنوعة الإلتزام بقواعد مسئولية الكلمة، والميثاق المجتمعي الذي يحفظ له عافيته وكيانه، فأمن المجتمعات والأوطان والأديان لا يجوز التهاون فيه أو التهوين منه". جيد أن تعقد الندوة ويصدر هذا البيان من القاهرة، حيث تتنازع مصر الكثير من دعاوي التطرف والغباء، علي نحو يجعل كثيرين يتساءلون: أين الحكومة مما يحدث؟ وهل هناك توافق إرادات بين أطراف نعلمها أو لا نعلمها علي الإبقاء علي الاشتعال متصاعدا في العلاقات الإسلامية المسيحية؟. الذي يدعو إلي التساؤل أن هناك الكثير من الدعوات الهدامة التي تجري في المجتمع المصري، ولم نسمع عن موقف اتخذ حيالها، أو حيال المروجين لها. خذ مثالا علي ذلك ما يجري علي مواقع الانترنت من دعوات لمقاطعة الأقباط، والتي دعمها بيان صادر عن جبهة علماء الأزهر، وتقديم البدائل الاستهلاكية لمنتجات الشركات الصناعية والتجارية التي يمتلكها أقباط. ما هذا العبث؟ ألا يستحق من يروج هذه الدعوات مساءلته قانونا، ليس من باب الحفاظ علي العلاقات الإسلامية المسيحية فقط، ولكن من أجل الاستقرار الاقتصادي، والبعد عن إقحام الطائفية في المجال الاقتصادي. هل المطلوب أن يخسر رجال الأعمال المسيحيون، فيغلقون منشآتهم التي تفتح بيوت المسلمين والمسيحيين علي السواء، ويهاجرون إلي الخارج؟ وما علاقة السيدة "كاميليا شكري"، التي يتنازع عليها المسيحيون والمسلمون برجال الأعمال الأقباط؟ هل لمجرد كون الشخص مسيحيا أو مسلما عليه أن يتحمل تبعات تصرفات بني جلدته؟ مثال آخر علي الخطابات المصدرة إلي المجال العام، دون إدراك كاف لما يمكن أن تحدثه من مشكلات، القول بأن المسلمين ليسوا مواطنين أصلاء في المجتمع المصري، وهو قول فضلا عن عدم صحته علميا، يفتح الباب أمام تمزقات اجتماعية، ومساجلات لا معني لها تزيد الشرخ القائم. وكذلك القول بأن الكنائس والأديرة بها أسلحة، أو أن الأقباط يسعون إلي تقسيم مصر....الخ. اللافت أن كل شخص يتحدث علي عواهنه في وسائل الإعلام، ولم يقدم دليلا واحدا علي ما يقول. هل وسائل الإعلام مجالا مجانيا من أجل بث الكراهية، وترويج الشائعات، وتحريض المواطنين؟ إنني أطالب النائب العام بأن يعتبر ما ينشر في الصحف في الملف الطائفي بلاغا إليه علي لسان أصحابه، فيحقق في الواقعة، وإذا ثبت أن صاحبها لا يمتلك دليلا علي ما يقول أو ليس لديه ما يدعم موقفه، فالقانون كفيل بتصحيح ميزان العلاقات المختل، ويدفع كل شخص ثمنا لما يفعله. العبث يحتاج إلي من يوقفه. لماذا عندما يروج شخص شائعات اقتصادية يتعرض لمساءلة، أما الشائعات الطائفية فهي مجال حر متروك لإبداع المتعصبين؟