انتهت إجازة العيد الذي هو فرحة، وبدأ العمل الذي هو هم وكربة، السيارات قليلة في الشوارع وأغلب المحلات لم تفتح كسلا أو توقعا بأن الناس لن تخرج لتذهب لأعمالها، ثاني يوم استمرت الظاهرة، الناس مدت الإجازة ويبدو أنها ستستمر لنهاية السبت، الناس طالبة الراحة كأنهم كانوا يعملون في رمضان!.بينما لم يعمل إلا الشحاتين!. وكما لعبت الحكومة في الساعة ليتحمل الناس الصيام، لعب الناس في الأيام ليتحملوا العمل والحكومة!. أصبح شهر الصيام أن تكف عن الطعام والشراب والعمل!.فعدم العمل بل والنوم يساعدك ألا تشعر بالجوع والعطش. باختصار يجعلك كأنك لست صائما، ثم إذا زوغت من العمل ولزمت بيتك تقدر تفطر براحتك دون أن يلومك أحد!. نذكر كثيرا أن الله معنا لأننا نذكر الله وبالتالي فالنصر معقود لنا. حتي عندما نحارب أمثالنا من المسلمين!. ولإحسان عبد القدوس قصة تحولت إلي فيلم باسم الله معنا. ولكن كان ذلك قبل هزيمة 67. لا نذكر العمل كثيرا كي نستحق أن يكون الله معنا فإذا تذكرنا استعضنا عن العمل بالأناشيد والخطب. العمل فريضة غائبة مثل التفكير وهو فريضة أولي فلا عمل لا يسبقه التفكير الذي يؤدي إلي الاكتشاف والإبداع، لكننا منذ عقود كثيرة فترت همتنا عن العمل، منذ أن قيل لنا إن الرئيس سيفعل لنا كل شيء فالدولة ستتبني تعليم وتربية الشعب من الحضانة إلي الجامعة بالمجان، وتعطينا شهادة بذلك وتمنحنا الوظائف في الحكومة والمصانع ولن يطردنا أحد من العمل إلا بلجنة ثلاثية وستعطينا الأرض لنزرعها وتشتري منا المحاصيل وتظلل الجميع بمظلة التأمين الصحي والعلاج علي نفقة الدولة ثم إنها ستأتي لنا بالنصر المبين علي الأعداء.وكان واجبنا الوحيد هو ألا نتكلم أو نفكر أو نقترح أي شيء. وهكذا بدأنا نكف عن البحث عن عمل يناسبنا.ونكف عن التعليم والبحث والابتكار ثم عن التفكير. ولماذا التفكير وعندنا (فلسفة الثورة) التي من بها علينا ناصر حبيب الملايين؟. أصبحنا نتعلم أن نصبح نسخا متشابهة نكرر القول كالببغاء ونعمل قليلا بلا خوف من عقاب ولأننا لا ننتظر مكافأة إذا عملنا أكثر أو أفضل. جيل بعد جيل متعطلين، لم نعد نعمل تقريبا لأننا لم نعد نحب العمل. وبالتالي لا نبحث عنه بل ننتظر وظيفة مضمونة وبهذه السياسة انهار اقتصادنا ، وبمرور الزمن لم يعد الأجر مجزيا فراح. المرء يبحث عن عمل بجانب الوظيفة التي لا تكاد تتطلب عملا إلا مجرد الحضور، نفعل هذا بضمير مستريح (علي قد فلوسهم)، ثم بدأ الصراخ للمطالبة بأجور أكبر امتدادا لطلب العمال في كل عيد لهم (المنحة يا ريس) فيبتسم الريس ويقرر لهم منحة وهي تعني منح الشيء بلا مقابل. أي بلا أي عمل وهي أشبه بالعيدية من بابا ناصر لأولاده. مش عيد ؟!. القانون معروف من لا يعمل لا يأكل ينطبق علي الحيوانات والطيور والحشرات وليس صحيحا أن البعض يثري بلا عمل فمن يستغل الناس يشغل مخه ليستغلهم. واللص يصعد المواسير ليسرق ويعاني أخطار المهنة. كل الفرق أنهم يعملون لأنفسهم فقط وبطرق غير مشروعة وخصما من جهد الآخرين. بعد أن يدخل المرء كلية لم يقصدها ووظيفة لا علاقة لها بما تعلمه - إن كان تعلم- وأجرا هزيلا ،يصبح كارها للعمل مجبرا عليه ولم يتعلم أن يفعل شيئا آخر بل لم تخطر الفكرة علي ذهنه. حتي من يتقاضي الملايين من لعب الكرة لا يحبها بقدر ما يحب المال والشهرة. لذا يفشل معظمهم عندما يحترف في الخارج، إنه يريد المال و لا يريد أن يرهق نفسه فعمله يقيده بتدريبات كثيرة وطعام خاص وهجر الحشيش والخمر والنوم مبكرا!. ظلت المرأة المصرية لسبعة آلاف سنة تعمل بجهد ومثابرة. ليس فقط رعاية وتربية من خمسة إلي عشرة أطفال بل تعمل في الحقل بجوار زوجها وتطهو للجميع وهي مصنع متكامل من الرضاعة إلي خبز العيش وتربية الدواجن والماشية وعمل المربي والبسكويت والكعك وتخزين السمن والزبد وصنع كل ما يحتاجه بيتها كنس ومسح وغسيل ومكوي ورفي الثياب بل صنعها أحيانا،والقائمة لا تنتهي. ولم تكن تشكو كثيرا رغم أنها كانت عمليا تعمل وتنجز أكثر من زوجها. كانت تحب العمل لأولادها وزوجها وبيتها وتعرف قيمة ما تفعله وكانت من خلال ذلك تحقق ذاتها. من يصنع الخبز أفضل ممن يشتريه من السوق. الأول منتج والثاني مجرد مستهلك. يتميز كل شعب بصفة .شعب يجيد التجارة وشعب يجيد القتال. وشعب يعيش علي موارده الطبيعية إلخ .وكان الشعب المصري أكثر الشعوب عيشا علي العمل. العمل في كل المجالات. الزراعة والصناعة والفن والأدب والطب والثقافة والاكتشاف والابتكار. المعرفة تجعلك تحب العمل. بالطبع يوجد من المصريين من لا يزال يحب العمل. لكن قليل منهم من يفكر في إجادة العمل وهو درجة أخري من الارتقاء البشري والأقل من يفكر في تطوير العمل وهو درجة أعلي. هل من المفترض أن يحب الناس العمل؟!. نعم فهو علي الأقل مصدر المال الذي يحتاجونه، لكن ما ننساه أنه أيضا الوسيلة التي يحقق بها المرء ذاته ويستمد منها شعوره بقيمته واحترامه لنفسه واحترام الآخرين له. أمام الإنسان اختيار من اثنين، إما أن يسعي ليعمل ما يحب. أو أن يحب ما يجب عليه أن يعمله. مصر قررت أن تصوم بلا جهد وأن تفعل كالتلميذ البليد الذي يقرر أن يؤجل بداية المذاكرة ليوم السبت مع بداية الأسبوع، ثم يبحث عن عمل عند الشيخ فلان يجعله ينجح بلا مذاكرة، وأخيرا يتذكر الله فيدعو الله ألا يجيء الغد باعتبار أن الله معه وعالم بحاله. لكن الغد سيأتي غدا لأن هذه هي المشيئة. فهل سيقابله أحد؟!.