ثمة ظاهرة، تبدو أنها عدوي اجتماعية تسري في نسيج الوطن، وهي محاولة الإصلاح من فوق وبالقوة بكل أشكالها، تظهر في محاولات اغتيال مفكر وأديب مثل نجيب محفوظ، واغتيالات أخري كان أحد ضحاياها رئيس الجمهورية أنور السادات، ويا ليت أساتذتنا الكبار يجودون علينا بدراسة عن آثار العنف والجرائم السياسية، التي أخذت من الدين ستارا، وكيف رسم العنف طريقا لممارسات اجتماعية تكاد تضرب قواعد الحياة في مصر، وهي: الانفراد بالرأي، قتل المعارض معنويا أو جسديا، إطلاق أكبر قدر من حملات التشهير، تقرير أو حكم خاص بالحياة الآخرة وهو التكفير، منع جنازات الموتي في الكنائس، وهو ما يجب بحثه قانونيا علي أنه نوع من السب العلني، التحذير من قراءة كتب الأدب العالمي، إطلاق حملات التشكيك ضد الباحثين، وقد نال الأب متي المسكين أكبر نصيب منها، الاتهام بالنقل من عفريت اسمه الغرب، وآخر محاولات القتل المعنوي التخابر مع جهات أجنبية. ما هو الفرق الجوهري، بين تحطيم تماثيل بوذا في أفغانستان، وهي تراث وطني عاصرته أجيال من الأفغان المسلمين، وحرق كتب الأب متي المسكين أمام مقر الأنبا شنودة الثالث، دون أن ينال الأنبا بيشوي ولو لفت نظر إلي أن العمل الصبياني الذي يهدف إلي هدم الفكر، الذي هو عدوان علي تراث مصر قبل تراث الكنيسة، وما هو الفرق الجوهري بين من يساوي خطية آدم التي جلبت: الموت، الطرد من الجنة الصراع مع قوي الطبيعة أي الكون وخطية الزني التي تضرب فاعلها ومعها الضحية. أسأل ما هو الفرق بين داعية يكفر، وداعية يؤكد عقوبة دائمة في الدنيا والأمر متروك لله في الآخرة؟، طبعا علي سطح الخطاب نفسه، المفردات مختلفة ولكن الجوهر واحد، تري هل يستطيع أساتذتنا الكبار صلاح قنصوة، د. عكاشة، السيد ياسين وغيرهم، أن يقولوا لنا ما هي الأسباب الحقيقية لهذا الجنوح الجنوني الذي لا يعرف إلا «التأثيم»، والطعن في إيمان المعارضين، والحرمان من الصلاة ومن التناول هي صورة معنوية لا تختلف عن تحطيم تراث أفغاني قديم، ولكن ما يحطم الآن هو الإنسان نفسه، محور استعلانات الله في العهد الجديد. وحتي لا يكون هذا مجرد مقال في صحافة، أصبحت هي الرئة الوحيدة التي يلجأ إليها الهاربون من أصولية كنيسة الأنبا شنودة، يجب أن نقف ولو برهة أمام الفكر اللاهوتي المصري نفسه، لأن هذا الفكر الذي يحارب، منذ أعلن الأب متي المسكين العودة إليه، هو الصخرة التي تقف ضد الأصولية. حجة الأنبا شنودة الثالث التي نقلها دون تمييز عن مقال قديم لأستاذنا الأنبا اغريغوريوس، وهو لم يكن يكتب عن مقارنة خطية آدم بالزني، بل عن الحياة بعد سقوط آدم، نقل عنه الأنبا شنودة دون تمييز أن ما أصاب آدم هو الموت، وأن الموت لم يكن عقوبة من الله بل حكم سمعه آدم قبل الأكل من الشجرة «موتا تموت»، ومات آدم روحيا وفقد شركته مع الله، وصارت الطبيعة الإنسانية لمائتة، حتي جسديا، التي فقدت الخلود، في عداء مع الأرض ومع البيئة، وتحول الموت إلي لعنة، وصار كل ما له صلة بالجسد موضع ريبة وحذر، من ولادة وعلاقات جنسية..، ودخل التطهير بالماء، هذه قصة السقوط حسب أسفار العهد القديم، لكن بمجئ المسيح تغير كل شيء، وهنا عندما يفقد الأنبا شنودة رؤية هذا التغيير ينتقل من الأصولية إلي الهرطقة، حقا هذه النقلة تظهر واضحة، فهو يؤكد أن الله غفر لآدم، ومع ذلك، ظلت الأرض تنبت حسكا وشوكا وظل آدم خاضعا للموت. والتفسير الأصولي ينسي أن الموت رفع في شكلين، الروحي بالصلب والقيامة، والجسدي بالقيامة في اليوم الأخير، ونسيان ذلك يجعل نفق الهرطقة مفتوحا بكل ما فيه من ظلام. وحقا، يريد الأنبا شنودة أن يحكم مصير الخطاة في الدنيا، ويترك المصير الأخير لله، وهذه نقلة من الأصولية إلي الهرطقة، لأن الكنيسة واحدة في هذه الدنيا وفي الآخرة، كأنه لا يعرف معاني صلوات القداس عندما يستدعي أسماء الراقدين من معلمي الإيمان في صلاة «تحليل الخدام»، لأن هؤلاء أعضاء حية في كنيسة واحدة أو في طلب صلوات القديسين الراقدين، وهم «سحابة الشهود»، هكذا قسم الكنيسة إلي قسم يرعاه الله في الآخرة، وقسم تحت سلطانه هو في هذه الدنيا..، هو هنا ينكر أن الكنيسة جسد المسيح الواحد حسب التسليم الرسولي.