وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    كوريا الشمالية تطلق نوعا جديدا من الصواريخ وتختبر "رأسا حربيا كبيرا جدا"    كانسيلو يعلق على خروج برشلونة من تشامبيونزليج وآخر الاستعدادات لمواجهة ريال مدريد    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين وتوك توك بطريق المنصورة بالدقهلية    آمال ماهر تشدو برائعة كوكب الشرق"ألف ليلة وليلة "والجمهور يرفض انتهاء الحفل (فيديو)    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة البطل الحقيقي‮ لفيلم‮ "‬في‮ بيتنا رجل‮"‬
نشر في الوفد يوم 05 - 01 - 2011

في‮ 12‮ يناير عام‮ 1990‮ رحل الأديب والكاتب السياسي‮ إحسان عبدالقدوس بعد رحلة عمر قضاها في‮ الصحافة والأدب‮. ولاشك أن رواية في‮ بيتنا رجل تعد واحدة من أشهر روايته
وهي‮ رواية حقيقية تنقل قصة حسين توفيق الشاب المندفع الذي‮ قتل أمين عثمان وحاول قتل النحاس وعبدالناصر والشيشكلي‮.‬

إنه شخصية‮ غريبة لا تتكرر بسهولة في‮ حلقات العنف السياسي‮. رجل‮ يحلم بالمجد والشهرة،‮ ويري‮ نفسه بطلاً‮ وقاتلاً‮ ومناضلاً‮ ووطنياً،‮ وجميع ضحاياه خونة‮. متطرف إلي‮ أقصي‮ درجة،‮ متهور وجامح ولا‮ يقبل بأنصاف الحلول وعاشق للدم والموت والرصاص‮.‬
هو أشهر قاتل سياسي‮ في‮ تاريخ مصر،‮ وسر شهرته أن المخرج هنري‮ بركات اختار رواية إحسان‮ »‬في‮ بيتنا رجل‮« لتصبح فيلماً‮ شهيراً‮ يقوم ببطولته عمر الشريف،‮ وزبيدة ثروت وحسن‮ يوسف‮. لقد أحب الناس تلك القصة وتصوروا أن البطل الحقيقي‮ لها شخص‮ يستحق التقدير والحب،‮ ولكن شتان بين الفيلم والحقيقة،‮ ومن‮ يعرف البطل الحقيقي‮ حسين توفيق‮ يعلم كم من الجرائم ترتكب باسم الوطنية‮.‬
لقد قتل حسين توفيق في‮ عام‮ 1946‮ أمين باشا عثمان وزير الخارجية بحكومة الوفد بعد أن حاول مراراً‮ اغتيال مصطفي‮ النحاس باشا وفشل،‮ ثم شاء القدر أن‮ يفلت من الموت ويذهب إلي‮ سوريا ليطلق الرصاص علي‮ أديب الشيشكلي‮ رئيس وزرائها ويحكم عليه بالإعدام،‮ ثم‮ يفلت مرة ثانية ويعود إلي‮ مصر ليحاول اغتيال جمال عبدالناصر عام‮ 1965،‮ لذا فهو السياسي‮ الوحيد الذي‮ أفلت من الإعدام ثلاث مرات.؛
ظروف النشأة
لقد ولد حسين توفيق في‮ 27‮ ديسمبر عام‮ 1925‮ في‮ بيت أرستقراطي‮ كبير،‮ حيث كان والده أحد كبار موظفي‮ الدولة وقد وصل إلي‮ منصب وكيل وزارة المواصلات وحصل علي‮ الباشوية في‮ ذلك الوقت‮. وقد تعلم الشاب الثري‮ في‮ مدرسة الفرير بالخرنفش‮. ثم انتقل إلي‮ مدرسة فؤاد الأول الثانوية وقتها عايش الفتي‮ الصغير الصعود المدهش للحركة النازية في‮ أوروبا وهو ما كان محوراً‮ أساسياً‮ في‮ حواراته مع أصدقائه في‮ النادي‮.‬
لقد نال حسين توفيق في‮ صغره كثيراً‮ من التدليل نظراً‮ لثراء عائلته وأمه التركية التي‮ كانت حريصة علي‮ تلبية جميع مطالبه،‮ وكان الولد الصغير‮ يصطحب جنايني‮ والده ومعه إناء به دهانات ليرسم علي‮ أرضية الشوارع الصليب المعقوف‮ »‬رمز النازية في‮ ذلك الوقت‮«.‬
إن تحقيقات حادث اغتيال أمين عثمان في‮ فبراير عام‮ 1946‮ يكشف لنا أن ذلك الشاب اشترك وهو طالب بالثانوية في‮ إحراق نحو‮ 30‮ سيارة للإنجليز،‮ وهو عمل قد‮ يبدو وطنياً‮ في‮ ظل وجود الاحتلال البريطاني‮ لمصر،‮ إلا أنه اتفق بعد ذلك علي‮ اغتيال مصطفي‮ النحاس باشا زعيم الوفد بدعوي‮ موافقة الوفد علي‮ الحكم في‮ ظل الاحتلال،‮ وعندما لم‮ ينجح قرر اغتيال أمين باشا عثمان وزير الخارجية وفعل‮.‬
بداية التنظيم
البدايات طبقاً‮ لأوراق القضية‮ 1129‮ لسنة‮ 1946‮ كانت في‮ عام‮ 1942‮ عندما كون حسين توفيق مع أشقائه الطلبة وأبناء خالته جمعية سرية وطنية الغرض منها تطهير مصر من الاحتلال والخونة‮. كان حي‮ المعادي‮ حيث‮ يقطن حسين توفيق مركزاً‮ لتجمع العساكر والضابط الإنجليزي‮ وسكنا لكثير منهم،‮ وبدأ حسين وخليته الصغيرة في‮ العدد والإمكانيات إحراق بعض سيارات الجيش البريطاني‮ والاعتداء ليلاً‮ علي‮ جنود الاحتلال في‮ شوارع الحي‮ الراقي‮.‬
وكانت الخلية تعتمد علي‮ رأس حسين توفيق في‮ كل كبيرة وصغيرة باعتباره الطالب المثقف الوطني‮ المطلع علي‮ الحركات السياسية في‮ أوروبا وألمانيا‮. وللأمانة لم‮ يكن حسين توفيق عضواً‮ بأي‮ تنظيم سياسي‮ معروف،‮ ولم‮ يتصل بأي‮ حزب من الأحزاب السياسية،‮ إلا أن شيوع الحركات السرية والتنظيمات شبه العسكرية كان دافعاً‮ قوياً‮ لمجموعة حسين توفيق أن تسير في‮ نفس الاتجاه‮.‬
لقد عرفت مصر التنظيمات شبه العسكرية مبكراً،‮ ففي‮ عام‮ 1933‮ دعت حركة مصر الفتاة إلي‮ إنشاء فرق شبه عسكرية تحت اسم‮ »‬القمصان الخضراء‮« أثارت قلقاً‮ سياسياً‮ كبيراً‮ دفع حزب الأغلبية وهو حزب الوفد في‮ ذلك الوقت إلي‮ تشكيل حركة‮ »‬القمصان الزرقاء‮« لمواجهة أي‮ اعتداءات علي‮ الوفد من جانب مثل هذه الحركات،‮ وما لبث عدد تلك الفرق أن زاد بشكل سريع آثار خوف القصر وانتهي‮ الأمر بحل جميع الحركات علي‮ حد سواء‮. في‮ الوقت نفسه كانت هناك بعض الجماعات اليسارية السرية التي‮ كانت ترتكز علي‮ أفكار النازية وتعادي‮ الاحتلال البريطاني‮ وتتخذ موقفاً‮ صارماً‮ من كل من‮ يتفاوض مع الاحتلال وكانت أبرز تلك الجماعات جماعة كمال الدين رفعت التي‮ ضمت صلاح الدسوقي‮ وحسين التهامي‮ ومراد‮ غالب‮.‬
لقد شهدت السنوات الأولي من الأربعينيات من القرن الماضي‮ تكرار القبض علي‮ حسين توفيق وبعض شباب مجموعته عدة مرات والإفراج عنهم لعدم وجود أدلة كافية،‮ فضلاً‮ عن اعتماد تلك المجموعة علي‮ ترافع محامين كبار لانتمائهم إلي‮ عائلات‮ غنية وميسورة الحال‮. كانت عمليات المجموعة وقتها من عينة إضرام النار في‮ سيارة تابعة للجيش البريطاني،‮ سرقة أسلحة خاصة بجنود إنجليز،‮ الاعتداء علي‮ ضباط شرطة مصريين وإنجليز،‮ وهي‮ حوادث كانت الأجهزة الأمنية تعتبرها مجرد‮ »‬لعب عيال‮«‬،‮ فضلاً‮ عن اتساع التصور الخاص بتأييد الملك لتلك المجموعات الشبابية،‮ خاصة بعد حادث‮ 4‮ فبراير عام‮ 1942.‬
اغتيال أمين عثمان
ظل حسين توفيق وجماعته مقتصرين في‮ عملياتهم علي‮ الحوادث العشوائية،‮ غير المخططة والتي‮ لا تحدث أي‮ نتائج سوي‮ تخويف بعض جنود الاحتلال البريطاني،‮ إلي أن التقي‮ حسين توفيق عند أحد أصدقائه بشاب ذكي‮ لماح لديه خبرة جيدة بالعمل العسكري‮ ويكبره ب‮ 7‮ سنوات هو محمد أنور السادات‮. وقتها كان السادات عضوا في‮ أكثر من تنظيم ربما أشهرها الضباط الأحرار والإخوان المسلمين والحرس الحديدي،‮ وكان الملك فاروق‮ يطلب رأس مصطفي‮ النحاس وأمين عثمان بأي‮ ثمن،‮ وقد شارك السادات بالفعل في‮ محاولات عديدة دبرها مع أفراد من الحرس الحديدي‮ لاغتيال النحاس باشا،‮ لكن إرادة الله شاءت ألا‮ يصاب بسوء ولم‮ يبق أمام السادات إلا رأس أمين عثمان محاولاً‮ تقديمها إلي‮ الملك‮.‬
وقد عرض حسين توفيق علي‮ شباب جماعته والتي‮ كان من بينهم الطالب محمد إبراهيم كامل والذي‮ أصبح وزيراً‮ للخارجية فيما بعد خلال رئاسة أنور السادات ثم استقال اعتراضاً‮ منه علي‮ السلام مع إسرائيل‮. وقد انضم أنور السادات إلي‮ جماعة حسين توفيق تحت اسم الحاج محمد،‮ والذي‮ أقنعهم في‮ ذلك الوقت بضرورة التخلص من أمين عثمان الذي‮ وصف علاقة مصر وإنجلترا بأنه‮ »‬زواج كاثوليكي‮ دائم‮«. وكان أفراد الجماعة جميعاً‮ من عائلات ثرية قادرين علي‮ شراء السلاح من مصروفاتهم الخاصة،‮ ولديهم حصانة اجتماعية تفرضها هيئة الإنسان ومظهره‮. ويقول وسيم خالد أحد أعضاء الجماعة في‮ مذكراته‮ »‬كانت أيام معرفتنا بالسادات هي‮ أجمل أيام حياتنا،‮ وكنا نفكر في‮ اغتيال اليهود وكان‮ يقول لنا إن قتل إنجليزي‮ واحد‮ يساوي‮ قتل ألف‮ يهودي،‮ وقتل مصري‮ متعاون مع الإنجليز‮ يساوي‮ قتل ألف إنجليزي‮«. وهكذا دفعهم السادات دفعاً‮ إلي‮ فكرة اغتيال المتعاونين مع الاحتلال من المصريين‮.‬
لقد وضعت جماعة حسين توفيق وقتها قائمة بالسياسيين الذين‮ يستحقون الاغتيال من وجهة نظرهم وقد تضمنت النحاس باشا وأمين عثمان،‮ والنقراشي‮ باشا،‮ ومكرم عبيد‮. وقد فكروا أن‮ يبدأوا باغتيال أمين عثمان لأن ذلك‮ »‬مصيدة‮« لاغتيال النحاس باشا،‮ إذ شاهدوا من قبل فشل محاولتين متتاليتين لاغتيال الرجل بمشاركة السادات،‮ وكان رأي‮ حسين توفيق أن قتل‮ »‬عثمان‮« سيجعل النحاس باشا‮ يخرج ويمكن اغتياله في‮ ذلك الوقت‮.‬
في‮ 6‮ يناير‮ 1946‮ انتظر حسين توفيق وزميله محمود مراد أمين باشا أمام باب عمارة رابطة النهضة،‮ حتي‮ إذا جاء وصعد قليلاً‮ علي‮ السلم ناداه حسين توفيق باسمه فنظر إليه فوجده‮ يطلق عليه الرصاص بكثافة فجلس علي‮ سلم العمارة واستغاث بالناس وخرج حسين توفيق مشهراً‮ مسدسين في‮ يديه والناس تجري‮ منه وهو‮ يطلق الرصاص في‮ الهواء لإرهابهم وتمكن من الفرار،‮ وحمل أمين باشا إلي‮ المستشفي‮ وطلب إبلاغ‮ النحاس باشا الذي‮ ذهب إلي‮ هناك ومعه فؤاد سراج الدين،‮ ولم تمض ساعات قليلة حتي‮ توفي‮ أمين عثمان متأثراً‮ برصاصات قاتله‮.‬
ولم‮ يكن أمين عثمان خائناً‮ لبلده،‮ لقد كان‮ يحاول تحقيق مصالح وخير مصر من خلال علاقاته بالدولة البريطانية كما‮ يذكر إبراهيم فرج‮. لقد درس أمين عثمان القانون وحصل علي‮ الدكتوراة من لندن وعاد ليعمل مع مكرم باشا عبيد ثم‮ يشارك في‮ مفاوضات‮ 1936‮ ويتصل بعلاقة قوية وجيدة بمصطفي‮ النحاس ويعملان معاً‮ علي‮ تحقيق استقلال مصر عن طريق التفاوض‮.‬
وقتها أفاد شهود العيان أنهم شاهدوا ابن توفيق باشا أحمد وكيل وزارة المواصلات مراراً‮ يراقب مقر الوزارة وتم بالفعل عرض حسين توفيق وشقيقه علي‮ شهود العيان وأقروا أنه هو القاتل وبدأت التحقيقات وتساقط جميع أفراد الجماعة بمن فيهم أنور السادات أو الحاج محمد‮. ويذكر السادات في‮ »‬البحث عن الذات‮« أن وكيل النيابة لجأ إلي‮ حيلة حتي‮ يدفع حسين توفيق إلي‮ الاعتراف بما جري‮ وهو أنه أوحي‮ للصحف أن تنشر أن الحادث تم لأسباب نسائية وبالفعل اعترف حسين توفيق بكل شيء‮.‬
الإفلات من الإعدام
ويحكي‮ السادات كيف احتالوا علي‮ المحققين ليضللوهم،‮ وكيف أنكر صلته بالقضية،‮ وادعي‮ تعرضه للتعذيب‮. وقد شهدت وقائع المحاكمة كثيراً‮ من الأحداث الغريبة مثل الاعتداء علي‮ أحد الحراس داخل الزنزانة والاستيلاء علي‮ مسدسه ومحاولة الهرب،‮ وحادث آخر تمثل في‮ محاولة الاستيلاء علي‮ ملفات القضية وهي‮ المحاولة التي‮ شاء القدر أن تفشل لمرور أحد ضباط الشرطة بالقرب من حامل ملفات القضية،‮ كذلك حاول بعض أعضاء التنظيم اغتيال الشاهد الرئيسي عبدالعزيز الشافعي‮ الذي‮ شاهد حسين توفيق وهو‮ يقتل أمين عثمان‮. واستمرت إجراءات المحاكمة حتي‮ يونيو‮ 1948‮ عندما نجح حسين توفيق في‮ الهروب بعد حصوله علي‮ إذن بزيارة الطبيب ثم الذهاب إلي‮ المنزل برفقة أحد الضباط وهروبه منه‮. وهو ما دفع وزارة الداخلية أن تعرض مكافأة خمسة آلاف جنيه لمن‮ يدلي‮ بمعلومات تساعد في‮ القبض علي‮ حسين توفيق‮.‬
وتستمر إجراءات المحاكمة ويصدر الحكم‮ غيابي‮ بسجن حسين توفيق عشر سنوات وبما‮ يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لباقي‮ المتهمين وببراءة السادات ومحمد كامل‮. ويبعث حسين توفيق بخطاب إلي‮ الكاتب إحسان عبدالقدوس‮ يخبره فيه أنه في‮ طريقه لمحاربة الصهيونية،‮ ثم‮ يكشف بعض عناصر الإخوان المسلمين أنهم ساهموا في‮ تهريب حسين توفيق إلي‮ سوريا‮. وكان من الواضح أن السرايا تقف بقوة إلي‮ جانب الجناة وقد اتضح ذلك في‮ قيامها بتوكيل أحد كبار المحامين وهو زهير جرانة للدفاع عن بعض المتهمين،‮ وفي‮ الإنعام علي‮ والد حسين توفيق بالباشاوية‮. وقد أثار بعض الباحثين إمكانية أن‮ يكون حسين توفيق عضواً‮ بتنظيم الحرس الحديدي‮ الذي‮ شكله الملك لاغتيال معارضيه،‮ لكن شهادة سيد جاد أحد أبرز قادة ذلك التنظيم والذي‮ تضمنها كتاب شهير نفت ذلك بشكل قاطع‮.‬
قاتل في‮ سوريا
الغريب في‮ الأمر أن حسين توفيق التقي‮ في‮ سوريا بعبدالقادر عامر أحد أعضاء تنظيم الحرس الحديدي‮ الذي‮ كان علي‮ خلاف مع مصطفي‮ كمال صدقي‮ وهرب إلي‮ سوريا،‮ وانضما المصريان إلي‮ حركة القوميين العرب التي‮ كانت في‮ مرحلة التشكيل بمشاركات سورية ولبنانية ومصرية وفلسطينية‮. ويسرد كتاب‮ »‬حركة القوميين العرب‮« التي‮ أصدرته مؤسسة الجريدة السورية لتنامي‮ دور الحركة في‮ سوريا خلال الخمسينيات من القرن السابق،‮ وتحكي‮ كيف طلب حسين توفيق من قادة الحركة استمرار الجهاد فضموه إلي‮ كتائب الفداء العربي‮ وبدأت الكتائب عملياتها بإلقاء القنابل علي‮ المعبد اليهودي‮ بدمشق،‮ ثم حاولت عام‮ 1950‮ اغتيال نائب رئيس الأركان العقيد أديب الشيشكلي،‮ وقد قبض علي‮ حسين توفيق وزملائه وحكم عليهم بالإعدام،‮ إلا أن تنفيذ الحكم أوقف بعد قيام حركة‮ 23‮ يوليو عام‮ 1952‮ بوساطة من الرئيس عبدالناصر‮. وفيما بعد أفرج عن حسين توفيق بعد تقارب النظام الناصري‮ والنظام البعثي‮ وغاب اسم حسين توفيق عن الأحداث السياسية في‮ مصر ولم‮ يظهر مرة أخري إلا عام‮ 1965.‬
عمر في‮ السجن
فيما بعد وطبقاً‮ لمذكرات اللواء فؤاد علام فقد كشفت مباحث أمن الدولة عام‮ 1965‮ تنظيماً‮ جديداً‮ كان‮ يسعي‮ لاغتيال عبدالناصر بدعوي‮ تفريطه في‮ السودان،‮ وكان علي‮ رأس ذلك التنظيم حسين توفيق والذي‮ كشف تنظيمه تنظيم الإخوان الشهير الذي‮ أعدم فيه سيد قطب حيث اعترف‮ »‬توفيق‮« بأن ابن خالته وهو عضو بالإخوان‮ يجمع سلاحاً‮ لتنظيم سري‮ جديد بالإخوان وهو ما أدي إلي‮ القبض علي‮ الآلاف منهم،‮ ونظرت قضية حسين توفيق نحكم عليه فيها بالسجن المؤبد،‮ وقد قابله كثير من السجناء السياسيين داخل السجن،‮ ومن أبرزهم علي‮ عشماوي‮ أحد قيادي‮ التنظيم الخاص للإخوان والذي‮ حكي‮ في‮ كتابه‮ »‬التاريخ السري‮ للإخوان المسلمين‮« كيف كان‮ يقضي‮ وقته مع حسين توفيق‮ يسترجعان الذكريات معاً‮.‬
وقد حاولت تتبع ما جري‮ بعد ذلك لحسين توفيق إلا أنني‮ لم أجد مصدراً‮ يشير إلي‮ شيء عنه بعد عام‮ 1965‮ ولجأت إلي‮ الدكتور محمد عفيفي‮ أستاذ التاريخ الحديث في‮ جامعة القاهرة وسألته عنه فقال إن آخر ذكر له في‮ المذكرات والمراجع وقف عند عام‮ 1965.‬‮ وعرفت بعد ذلك من بعض أقارب حسين توفيق نفسه أنه ظل في‮ السجن بقية حياته‮. لقد بقي‮ محبوساً‮ حتي‮ وفاة عبدالناصر،‮ وقد تصور أن الرئيس السادات سيفرج عنه إفراجاً‮ صحياً‮ تقديراً‮ للصداقة والزمالة القديمة التي‮ جمعتهما معاً،‮ لكن أنور السادات خيب آماله ورفض التماساً‮ قدمته أسرة حسين توفيق للإفراج عنه وبقي‮ في‮ السجن حتي‮ عام‮ 1983‮ عندما أفرج عنه في‮ عهد الرئيس مبارك وقضي‮ مع أسرته شهوراً‮ قليلة قبل أن‮ يرحل أشهر قاتل سياسي‮ في‮ مصر‮.‬
مصادر الدراسة
1‮ أنور السادات‮ - البحث عن الذات‮ - المكتب المصري‮ الحديث‮.‬
2‮ علي‮ عشماوي‮ - التاريخ السري‮ للإخوان المسلمين‮.‬
3‮ فؤاد علام‮ - أنا والإخوان‮ - أخبار اليوم‮.‬
4‮ د‮. نبيل سيد أحمد،‮ د‮. يواقيم رزق مرقص‮ - قضية اغتيال أمين عثمان‮ - هيئة الكتاب‮.‬
5‮ ملحق جريدة الجريدة‮ - حركة القوميين العرب‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.