ساعات وينفض رمضان بروحانياته ونفحاته الإيمانية، والمتأمل لصفحات الحوادث خلال الشهر نجد أنها كانت مزدحمة بالجرائم البشعة التي تجاوزت التوقعات، ما بين مخدرات، وخطف ناهيك عن جرائم القتل والثأر التي توسعت وأخذت منحني أشد خطورة. وظاهرة الجرائم الرمضانية ليست حكرا علي مصر بل امتدت لكل بلاد العالم فهناك 7 أرواح ازهقت في اليوم الأول لرمضان، علي الجانب الآخر احتلت حوادث الطرق والهدم مساحة كبيرة ما بين سقوط أرضية، أو انهيار مشروع صرف صحي، وانفجارات السيارات والتوك توك. العنف الأسري احتلت جرائم العنف الأسري المرتبة الأولي في الحوادث الأكثر دموية وشراسة، التي بدأت من الاستورجي الذي قتل زوجته بدمياط، وصولا بالابن الذي ذبح والده بمسجد بالإسماعيلية، بجانب الشاب الذي قتل والده وانتحر، بجانب الحادثة المؤثرة للزوجة التي صعقت زوجها بالكهرباء والزوج الذي ذبح زوجته لرفضها معاشرته بشبرا الخيمة. إجرام الآباء استمر مسلسل اجرام الآباء تجاه الأبناء، فهناك أم اشتركت مع عشيقها في قتل طفلتها، ومنذ أيام انهال عاطل علي ابنه بالطعنات بسبب ملابس العيد، والأب الذي صعق فلذة كبده بسبب سرقته جنيهين. وامتد العنف لنطاق الأسرة بكاملها فها هو مزارع ونجلاه يطلقون النار علي شقيقه بسوهاج بسبب الميراث، وربة منزل تتهم والدها بإشعال النار بمسكنها. القشة التي قصمت ظهر البعد شهد رمضان عددا من الحوادث التي حملت أسبابا تافهة مثل مقتل مواطن لآخر بسبب كلاكس الموتوسيكل، والعامل الذي مزق جسد طالب بسبب اختلافه علي لعب الكرة، والحدادان اللذان اخطفا جارهما الفلاح وحلقا شاربه قبل السحور، والمواطن الذي طعن آخر بقرن غزال بسبب أصوات الموتوسيكل. وعلقت ابتسام كامل خبيرة في النوع الاجتماعي أن انتشار هذا الطوفان من الجرائم يكشف عن انتشار النزعة الإجرامية التي غطت علي الحالة الروحانية لرمضان، فيتحرك هذا الشخص بنوازعه ومتاعبه الشخصية، وتضيف قديما كان المجتمع كله يستمتع بالطقوس الروحانية لرمضان وليست الدينية وكان المسيحيون والمسلمون يتشاركون فيها، كان شهرا للتكافل والرحمة والشفقة، ولكن عند بعد الناس أصبح رمضان لا يعي شيئا لهم. وأكدت ابتسام أنه لا يجوز مع كثرة جرائم العنف الأسري أن نلقي اللوم علي النساء، فهي مفعول به في مجتمعاتنا، دائما ما ندينها بأنها مستهترة ومستفزة وتسبب المشاكل، ونعتدي بمقولة «فتش عن المرأة» ولا يجب أن نقول عن الرجل أنه رد فعل؟ ومسلوب الإرادة، بل الرجل شخص واع، وقادر علي تحديد أولوياته، وله القوامة ولذا فعليه التحكم في أعصابه. كشف رفعت عبدالحميد خبير في الأدلة الجنائية أن الإحصاءات تؤكد انخفاض معدل الجريمة في رمضان فهو شهر الخير، وينخفض فيه ظواهر القتل والسرقة، وتراجع ملحوظ في جرائم الدعارة وممارسة الرذيلة بصفة خاصة، مؤكدا توقع زيادة معدل الجريمة في شهري أكتوبر ونوفمبر. وأشار عبدالحميد إلي أن جرائم العنف التي انتشرت في رمضان، كان محركها الفقر، والضغوط الاجتماعية، فضلا عن الشعور بالظلم وأكد أن ظاهرة العنف الأسري أصبحت غير مقصورة علي طبقة الفقراء أو في العشوائيات وبدأت ظاهرة عنف الأثرياء في التزايد، بجانب انتشار فئة «مجرمي الصدفة» الذين ليسوا من عتاة الاجرام ولكن تدفعهم الظروف، بجانب ظلم المحيطين علي ارتكاب الجرم، فيرتكبوها هفا ويسابقون إلي الاعتراف وتسليم الذات، وأكد عبدالحميد أن قضية السيدة التي صعقت زوجها بالكهرباء تعد من أكثر القضايا التي تأثرت بها فهي ربة منزل فقيرة ضحت بمصوغاتها وكل ما تملك لزوجها، ليتزوج بهما وأجبرها علي الإقامة معهما، بجانب يأسها من استرداد حقها وتخاذل دور أسرتها معها، فقيدت معاني الإهانة والذل والضياع معا، فاستغلت كل ما تملك وهو سلك كهرباء لتنهي مأساتها وهي تعلم جيدا أن المشنقة نهايتها. وأضاف عبدالحميد: إن هذه الجريمة تكشف انهيار مفهوم الرجولة والشهامة بجانب افتقادنا لمعاني الاحتواء الاجتماعي وقلة الوازع الديني ولا يسعنا هنا إلا أن نتعاطف معها ونترقب حوادث من هذه الشاكلة أكثر في الفترة المقبلة وأنها حديثة، وتؤكد أن حلول مشاكل المجتمع لن تكون في إقامة موائد الرحمن، كما يعتقد الأثرياء، أو توزيع كسوة العيد بل علينا إعادة هيئة السياسة الجنائية الاجتماعية، والدفاع الاجتماعي .