لم يكن يتصور مسلم عاقل أنه من الممكن أن تحدث جرائم بحجم جريمة القتل في رمضان لا سيما مع سعي الناس بمن فيهم من يراه الناس منحرفا ، إلا أن هذا التصور البعيد رأيناه واقعا في رمضان هذا العام ففي أول الشهر الفضيل شهدت منطقة الجمرك بمحافظة الإسكندرية المصرية جريمة قتل بشعة، حيث تخلص عاطل من والدته وذلك لرفضها إعداد 'صينية' كنافة، حيث قام بضربها بالعصا وركلها بالقدم حتي لفظت أنفاسها الأخيرة. وفي قرية المحسمة بمركز التل الكبير بالإسماعيلية جريمة قتل بشعة داخل مسجد أبو عليان أثناء صلاة التراويح مساء السبت 18 رمضان عندما قامت مجموعة من الشباب بالهجوم علي أحد المصلين وطعنه بالسنج والمطاوي أمام جموع المصلين وأردوه قتيلا في الحال للثأر من عائلته. ويوم الخميس الماضي قام اخ بقتل أخيه بكفر الطويل بمحافظة كفر الشيخ أثناء خروجه من المسجد لخلاف علي جسر بين أرضيهما . علماء الدين اعتبروا أن حدوث مثل هذه الجرائم في رمضان خطر كبير يقف وراءه العديد من الأسباب أولها ضعف الدعاة وانحراف الجهاز الإعلامي عن دوره داخل المجتمع ، مقدمين رؤية شرعية متكاملة عن هذه الظاهرة الجديدة . بداية تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر إن حدوث هذه الجرائم التي يقشعر لها البدن ولم نعرفها من قبل مسألة تحتاج لمراجعة حقيقية ودقيقة وأحسب ان المشكلة تكمن في أننا نعيش خلاصة حصاد نصف قرن من الزمان من نسيان الأدوار الحقيقية في بناء عقول أبناء المجتمع، وهو ما يؤدي إلي تضخم الأمر ونستشعر ببشاعة الموقف. وتري الدكتور آمنة أن ظهور مثل هذه الجرائم في رمضان وراءها علل ثلاث الأولي هي أن المؤسسات المسئولة عن الدعوة وتوجيه الخطاب الديني بالشكل الذي يبني الإنسان ويقوي المجتمع غاب دورها كثيرا ووجوده أصبح فيه ضحالة وهشاشة، أما الأمر الثاني فإن تشكيل البناء في المؤسسة التربوية به خلل ، بينما العلة الثالثة هي أن الجهاز الإعلامي لم يقم بدوره الحقيقي لحماية المجتمع من تلك الجرائم، مشيرة إلي أننا نعيش في عصر الإعلام وعندما لا يرشد الإعلام ولا يسير في طريق بناء الإنسان المتوازن المستقيم يحدث كل ما لم يكن نتوقعه في رمضان مع ان الإعلام يخترق البيوت والعقول. وتستطرد قائلة: إن تقاعس المؤسسة الدينية والجهاز الإعلامي، وغياب المنهج التربوي القويم في بناء الإنسان المستقيم من نعومة الأظافر كل هذه أسباب قوية تؤدي لظهور جرائم بشعة لا تحترم حرمة إنسان ولا حرمة شهر رمضان . ومع ذلك تري الدكتورة آمنة أن أحساسنا بهذه السلبيات أمر صحي يوجب علينا ان نتخذ موقفاً جاداً وألا ندير ظهورنا ولا نبتدع كلمات لنغمض العين ونغيب العقل وندير الظهر لتلك الجرائم، رافضة القول بان حدوث تلك الجرائم في رمضان استثناءات لأن في ذلك تهوين للأمر حيث ان ذلك دليل علي وجود مرض اجتماعي يجب أن نواجهه بكل العلاج المتاح الذي يبتعد عنه اليأس والتواري ، فإذا أخذنا الأمر مأخذ الجد سنحل مشاكلنا المجتمعية. ضعف التدين بينما يري الدكتور حامد أبوطالب عضو مجمع البحوث الإسلامية أن انتشار هذه الجرائم في رمضان أمر شديد الخطورة، و فيه إشارة واضحة لضعف التدين في نفوس الناس وعدم إنعكاسه علي سلوك الأفراد ، فهم صائمون وممتنعون عن الطعام والشراب ولم تنعكس هذه العبادة علي سلوكهم واخلاقهم وترقق وتحسن اخلاقهم ولذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم :" كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" ولا حاجة لله في صيام الشخص الذي لا يمتنع عن الحقد والغل والثأر كما لا صيام من لا يعرف حرمة النفس والدم . ويشير إلي أن حدوث جرائم القتل في رمضان دليل قاطع وصريح علي أن من قاموا بها لم يصوموا صياما حقيقيا ، هم في حاجة في أن يذكرهم الدعاة باهمية الصوم في تحسين السلوك ، حيث أن هناك قصوراً شديداً من الدعاة في هذا المجال. وعن حدوث جرائم بهذه البشاعة في رمضان رغم تصفيد الشياطين يوضح الدكتور أبو طالب أن تصفيد الشياطين في رمضان هو لمردة الشياطين، أما صغار الشياطين فهم طلقاء في رمضان. دعاة تقليديون ويري الدكتور محمد دسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم ان البعض قد يعلل ظهور تلك الجرائم بوجود ظروف اقتصادية ونفسية ، إلا أن حدوثها لأول مرة في رمضان دليل علي تفشي الامية الدينية، ووجود خلل في فهم العلاقات خاصة في نطاق الأسرة، حيث من الملاحظ أن جرائم القتل التي وقعت في رمضان لم تحدث من شخص غريب لآخر وإنما من شخص لقريبه ، وهو ما يؤكد عدم الفهم لأوامر الدين في صلة الرحم التي هي أساس في العلاقة مع الله . ويتساءل قائلا :" أي إيمان لمن قتل والدته لمجرد صينية كنافة؟ وكيف يقتل الأخ اخاه لمجرد جسر بين أرضين "، ويوضح أن من قاموا بالقتل في المسجد ارتكب جريمة مضاعفة فمن لجا للمسجد فلا يمكن لأحد المساس به لأنه في امان الله وإلا يكون من مسه متجرئاً علي الله وحرماته. ويشدد علي أن المجتمع يعاني من ضعف تربوي ودعوي حيث ينتشر بالمساجد دعاة تقليديون يكررون كلاما يقولونه وليس لهم علاقة بالواقع ، فهم لا يواكبون مشكلات المجتمع وما يترتب عليها من اختلال في التصرفات والسلوكيات ونادرا ما نجد داعية يقرأ عن طبيعة المشكلات الموجودة في المجتمع ، ولذلك لابد أن يكون الدعاة فقهاء بواقع عصرهم بحيث يعرفون مشاكل الناس والأفكار التي تهيمن عليهم نتيجة امبة دينية او جهل. ويلفت الدكتور دسوقي إلي أن حدوث هذه الجرائم تتطلب دراسات علمية تبحث أسباب ظهورها لا سيما في رمضان ،التي لم تكن موجودة لمعرفة لماذا كثرت تلك الجرائم ؟، حيث أنها مأساة تحتاج لعلاج شامل كامل من جميع المؤسسات.