عجزت الدراما السورية عن مواجهة السيل الجارف للمسلسلات المصرية، وظهر الإنتاج السوري رغم كثافته متواضعًا في المستوي، ولم يحقق أي حضور يذكر، سواء علي الساحة الخليجية أو في دول المغرب العربي، بينما أعلنت الدراما المصرية عن حضورها من خلال أهم الأعمال الدرامية التي تميزت بالموضوعات الجديدة والجرأة وحشد النجوم في أكبر مغامرة إنتاجية تشهدها سوق الدراما منذ أعوام عديدة وحقق مسلسل «الجماعة» ثقلاً فنيا لم يحققه أي مسلسل سوري ففي الوقت الذي تهرب فيه المسلسلات السورية إلي التاريخ للاختباء وراء أحداثه اقتحم مسلسل الجماعة غمار الواقع ليقدم تحليلاً فكريا دقيقًا لحركة الإسلام السياسي وارتباطها بالجماعات الإسلامية وتأثير ذلك علي المجتمعات المدنية. وقدم مسلسل «قصة حب» الفكرة ذاتها من منظور آخر، بينما تمسك مسلسل «أهل كايرو» بمهمة صعبة وهي الكشف عن علاقة المثقفين بالسلطة ودور الأحزاب في الحركة السياسية وتصاعد نفوذ رجال الأعمال في مجتمعاتنا الشرقية، ولم يتخل «شيخ العرب همام» عن العمق الإنساني في تقديم تجربة شديدة الإبهار ترصد المجتمع الصعيدي برؤية مختلفة لا تخلو من شاعرية. لأول مرة حكايات ART لم تعرض مسلسلاً سوريا واحداً استحوذت المسلسلات المصرية التي وصل عددها إلي 150 مسلسلاً علي اهتمام المشاهد العربي أما المسلسلات السورية تاهت في هذا الكم الكبير الذي توافرت فيه الجودة والجدة والطرافة والاهتمام بالصورة كجزء أصيل في الصناعة الدرامية، ولم تجد لها مكانًا لدرجة أن قنوات ART حكايات الثلاث لا تعرض مسلسلاً سوريا واحدًا لأول مرة منذ سنوات عديدة واكتفت بالمسلسلات المصرية التي أسقطت الدراما السورية بالضربة القاضية ليس خلال الموسم الرمضاني الحالي بل قبله بعدة أشهر وبالتحديد مع هروب نجوم الصف الأول من الممثلين السوريين إلي الدراما المصرية بعد أن تأكدوا أن المسلسلات السورية لم تعد تقدم جديدًا بل تدور في فلك الأعمال المتشابهة والمكررة، فلا يتصور أحد أن يتضمن الموسم الرمضاني الحالي ثلاثة مسلسلات مشابهة لمسلسل «باب الحارة» تعتمد علي نفس الفكرة والإطار العام للأحداث، دون أن يكون هناك أي نوع من التنسيق فيما بينها، بل هناك الأعجب من ذلك وهو تكرار قصة مسلسل بنفس طاقم الممثلين مع تغيير الملامح الشكلية، مما جعل الدراما السورية تستهلك نفسها، وتقضي علي سنوات حضورها، وتساءل الجميع عن جدوي تكرار الأعمال التاريخية التي باتت تتشابه مع بعضها البعض ولا تقدم شيئًا جديدًا يجذب المشاهد أو يقدم بعدًا مختلفًا عن الأعمال التاريخية الأخري، ولم تفلح جهود التليفزيون السوري في إنقاذ الدراما السورية لهذا العام رغم تدخله في الإنتاج بنسبة 20% من عدد الأعمال الدرامية إلا أن هذه المحاولة لم تؤت ثمارها لأن المنظومة الفكرية التي تحكم سياق الدراما السورية تسير في قوالب جامدة بعيدًا عن روح التجديد والإبداع لذلك فإن 5 مسلسلات تاريخية و5 مسلسلات تدور في السياق المحلي و16 عملاً اجتماعيا لم ينجح منها مسلسل واحد في كسر هيمنة الدراما المصرية. ذاكرة الجسد يفجر الخلافات بين المؤلفة والمخرج والسيناريست فشل تحالف الدراما السورية والجزائرية فشلاً ذريعًا ولم تعد هناك فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن تحولت أجواء المسلسل إلي خناقة كبيرة يلقي فيها كل طرف باللوم علي الطرف الآخر ويحمله مسئولية ضعف المسلسل فنيا وعدم قدرته علي الصمود في وجه المسلسلات المصرية الزاحفة بقوة نحو عقل وقلب المشاهد العربي، فقد هرب المشاهدون في الجزائر ودول المغرب العربي من «ذاكرة الجسد» وبدأوا يتابعون المسلسلات المصرية، وأهمها «الجماعة» و«شيخ العرب همام» و«بالشمع الأحمر» و«أهل كايرو» وقد أحدث التفاوت في المستوي الفني حالة من الإحباط لدي الجزائريين الذين كانوا يعقدون علي مسلسل «ذاكرة الجسد» آمالاً كبيرة في كسر هيمنة الفن المصري إلا أن المسلسل جاء حافلاً بالأخطاء الدرامية الكبيرة أهمها الوقوع في التكلف وعدم التلقائية. ثانياً: التطويل الممل وعدم إحكام الحبكة الدرامية. ثالثاً: السيناريو المكتوب بالفصحي أسهم في تغليف العمل بنوع من الكلاسيكية التي كانت سببًا في نفور المشاهدين. رابعاً: عدم خبرة الممثلة الجزائرية «أمل أبو شوشة»، التي بدت تائهة ولم تستطع أن ترتفع إلي مستوي جمال سليمان، مما رفع من صرخات الهجوم النقدي ضد المسلسل واتهامه بالفشل الذريع وتعليق هذا الفشل علي شماعة المخرج نجدت انزور لأن طريقته في الإخراج لم تكن مرضية للجزائريين، وبناء علي هذه المشاكل اندلعت صدامات عديدة بين فريق العمل في مسلسل «ذاكرة الجسد»، حيث كشف جمال سليمان أن الأجر الذي تقاضاه عن دوره في المسلسل لا يعادل إلا ربع الأجر الذي يتقاضاه في مصر، وأنه لم يكن راضيا عن الأجر، وما أشعل غضب الجزائريين أن جمال سليمان قد حقق نجاحًا كبيرًا بمسلسله «قصة حب» الذي يعرض في نفس الوقت أي أن تحالف الدراما السورية الجزائرية لم يقدم لجمال سليمان لا الأجر المناسب ولا النجاح الذي يليق به. أحلام مستغانمي: السيناريست شوهت ذاكرة الجسد وقد استمرت توابع الفشل داخل بلاتوه تصوير «ذاكرة الجسد» حيث اعترضت المؤلفة أحلام مستغانمي علي بعض المشاهد واتهمت كاتبة السيناريو السورية ريم حنا بأنها شوهت الرواية ولم تكن أمينة في معالجتها دراميا وأكدت أنها مستاءة من ذلك، وكانت ترغب في أن ترجع إليها ريم حنا وتستشيرها في الأمور التي تتعلق بالعادات والتقاليد الجزائرية لأن المسلسل بدا غريبًا علي المجتمع الجزائري، وقد تحول موقف مستغانمي ضد ريم حنا إلي أزمة فنية لدرجة أنها صرحت بأنها لن توجه إليها الشكر لعدم وجود شيء تشكرها عليه بل أكدت أنها لن تشاهد العمل لأنه سيأتي في آخر اهتماماتها. وتحمل المخرج نجدت انزور عبء الرد علي أحلام مستغانمي مؤكدًا أن ريم حنا كاتبة سيناريو لها وزنها وأعمالها تشهد لها بالكفاءة كما أنه كمخرج يتعامل مع السيناريو وليس الرواية، وليس من حق أحلام أن تتدخل في التصوير بعد أن سمح لها بالتواجد داخل البلاتوه. وواجه نجدت انزور نفسه اتهامات عديدة تتمثل في الاستسهال وعدم الاهتمام بجماليات الصورة وابتعاد المسلسل عن المستوي الفني الرفيع وتحوله إلي مجرد عمل تجاري يفتقد للانسجام والتركيبة الفنية، وأن انزور تعامل مع المسلسل علي أنه صفقة تدر عليه المكاسب المادية بعد أن أغلقت أسواق الخليج وشركات الإنتاج به في وجهه، وقد ترتب علي فشل «ذاكرة الجسد» حالة من الاستياء في الجزائر التي اعتقد البعض أنها قادرة علي مقاطعة الدراما المصرية. المسلسلات السورية أكلت نفسها بنفسها تراجعت الدراما السورية ولم يعد هناك مسلسل سوري واحد يستطيع الصمود أمام يحيي الفخراني كما أن مسلسلات مثل «الجماعة» و«أهل كايرو» قد خطفت قلب وعقل المشاهد العربي. فقد حول المخرج حسني صالح مسلسل «شيخ العرب همام» إلي ملحمة شعبية وأبدع في خلق أجواء أسطورية لعالم تاريخي مبهر لا يختلف عن الواقع ولا يبتعد منه وفجر الطاقات التمثيلية لدي أبطال العمل الذين وظفهم بشكل صحيح. ونجح المخرج محمد ياسين في مسلسل الجماعة في صناعة صورة تليفزيونية سيطرت عليها نزعة تسجيلية إلا أنها تتميز بالدفء والحميمية كما رصد العلاقة بين الفكر والرؤية وقدم خيوط الحدث بطريقة بهرت المشاهدين كما أنه برع في اختيار الممثلين ليقدم لنا عملا فنيا شهد له به الجميع. أما المخرج محمد علي فقدم في مسلسل «أهل كايرو» صورة بصرية تعتمد علي التشويق والإثارة وهي لا تعكس ذلك ببساطة وعفوية وإنما بعمق و قوة وفاعلية فالكاميرا ترصد تناقضات الشخصيات ومفارقات الواقع كل ذلك في إطار فني يشهد له بالموهبة والكفاءة والمهنية.. كما أنه أجاد أيضا في اختيار الممثلين.