هناك أوقات نراها الأفضل للخروج إلي مشوار أو للتحديد المواعيد واثقين من أن الشوارع أثناءها ليست مزدحمة، ولن نتعطل في إشارات تخنقنا وتجعلنا نشعر أننا نقضي جزءا كبيرا من أيامنا أو من حياتنا في انتظار فتح الإشارة. ومن هذه الأوقات صباح يوم الجمعة أو صباح يوم إجازة أو فترات إذاعة مباريات مهمة. ومنذ سنوات قريبة كان من بين تلك الأوقات الوقت بعد أذان المغرب في رمضان، حيث كنت تتناول الإفطار بسرعة وتخرج قبل أن يداهمك وقت الزحام وتنسد أمامك الطرق. ويصلك وأنت تسير أصوات المسلسلات أو استعراضات الفوازير وتراها أفضل الوسائل لتنظيم المرور بعد أن عجزت كل الوسائل الأخري، لكن مع ازدياد الملل من تلك المسلسلات تراجع دورها في حل مشكلة المرور بل صارت سببا في الازدحام بعد هروب الناس منها ومن تكرار موضوعاتها، بالإضافة إلي أن حلقات المسلسل تعاد في أوقات مختلفة علي مدار اليوم وفي محطات فضائية وأرضية عديدة. في تلك الأوقات النادرة تحب شوارع القاهرة وتتمني لو كانت بمثل هذه السلاسة واليسر طوال اليوم. وتستطيع أن تصل إلي مواعيدك دائما وأنت مرتاح دون أن تتبدد طاقتك وتحرق أعصابك ودون أن تحس أن الوقت ضدك ، والساعة تجري لتصل متأخرا رغم خروجك من بيتك مبكرا وقبل وقت كاف. وحينما تصل في موعدك بفضل تلك الأوقات تردد كيف كانت الشوارع فاضية وقطعت الطريق في وقت قياسي مستحيل أن يتحقق في بقية أوقات اليوم. تردد هذه الكلمات في كل مرة يحدث لك هذا كأنك مازلت مندهشا من وجود أشياء تفرحك وتسهل حياتك علي الرغم من أن العكس هو الشائع والمعتاد في حياتنا: الأشياء تتحول إلي الأسوأ إلي ضد ما ترغبه وتتمناه. وقد تلمح في هذه الأوقات شيئا يشد انتباهك أول مرة علي الرغم من مرورك جواره كثيرا أثناء أوقات الازدحام أو أثناء تعسرك في احدي الإشارات. وقد تفكر في كم الأشياء التي لا نستطيع أن نستمتع بها أو حتي أن نراها بسبب ضغط الزحمة والمشاكل المتراكمة علي أرواحنا. ويحدث كثيرا أن يحدثك شخص عن شيء جديد رآه في الشارع الذي تمر منه دائما، وتجد نفسك لم تنتبه إليه رغم ظنك انك رأيت وحدقت في كل شيء أثناء حركة المرور البطيئة أو المتوقفة تماما. ومثلما تهدم مبان جميلة أحببناها وتغلق مقاه كان يحلو الجلوس عليها أو تحول إلي مطاعم وسوبر ماركت يختفي جزء من تلك الأوقات النادرة. ويصير مجرد ذكري لدي من عايشوها واستمتعوا بها. كان يوم الأحد من تلك الأوقات فقد كان معتادا أن تغلق فيه المحلات، وتكون فيه شوارع وسط البلد منطقة آمنة من الزحام ومتاحة للتمشية دون أن تحذر طول الوقت من الاصطدام بأحد أو تظل تمشي في مسارات متعرجة علي الرصيف أو تضطر للمشي بين السيارات في الشارع. الآن صارت المحلات تفتح أبوابها يوم الأحد وكل أيام الأسبوع - عرض مستمر - وصار أصحابها يرون أن يوم الإجازة صار رفاهية مع قلة الزبائن التي تشتري والتي تكتفي بالفرجة علي المحلات. فكلما اشتدت الأزمات بكل أنواعها فقدنا جزءا من تلك الأوقات النادرة. ولن يكون غريبا أن يأتي يوم نفقد فيه وقت الفجر الذي تبدو فيه القاهرة مدينة أخري غير متاحة للكثيرين علي الرغم من أنهم يعيشون فيها ويسمعون عنها ممن تتاح لهم الفرصة لرؤيتها والتجول فيها. مدينة تستطيع أن تتنفس وتكشف عن جمال محجوب عن عيوننا بقية اليوم. مدينة تبدو طرقها بوابات تنفتح أمامك دائما دون انتظار إشارة.