الركن الحقيقي للزواج هو رضا الطرفين وتوافق إرادتهما في الارتباط ولما كان الرضا وتوافق الإرادة من الأمور النفسية التي لا يطلع عليها كان لابد من التعبير الدال علي التصميم علي إنشاء الارتباط وإيجاده ويتمثل التعبير فيما يجري من عبارات بين المتعاقدين فما صدر أولاً من أحد المتعاقدين للتعبير عن إرادته في إنشاء الصلة الزوجية يسمي إيجابا ويقال: إنه أوجب وما صدر ثانيا من المتعاقد الآخر من العبارات الدالة علي الرضا والموافقة يسمي قبولا ومن ثم يقول الفقهاء: إن أركان الزواج «الإيجاب، والقبول» فشروط الإيجاب والقبول: 1- تمييز المتعاقدين: فإن كان أحدهما مجنونا أو صغيرا لا يميز فإن الزواج لا ينعقد. 2- اتحاد مجلس الإيجاب والقبول بمعني ألا يفصل بين الإيجاب والقبول بكلام أجنبي أو بما يعد في العرف إعراضا وتشاغلا عنه بغيره. 3- ألا يخالف القبول الإيجاب إلا إذا كانت المخالفة إلي ما هو أحسن للموجب فإنها تكون أبلغ في الموافقة فإذا قال الموجب: زوجتك ابنتي فلانة علي مهر قدره مائة جنيه فقال القابل: قبلت زواجها علي مائتين انعقد الزواج لاشتمال القبول علي ما هو أصلح. 4- سماع كل من المتعاقدين بعضهما من بعض ما يفهم أن المقصود من الكلام هو إنشاء عقد الزواج وإن لم يفهم منه كل منهما معاني مفردات العبارة لأن العبرة بالمقاصد والنيات وينعقد الزواج بالألفاظ التي تؤدي إليه باللغة التي يفهمها كل من المتعاقدين متي كان التعبير الصادر عنهما دالا علي إرادة الزواج دون لبس أو إبهام قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وينعقد النكاح بما عده الناس نكاحا بأي لغة ولفظ وفعل كان ومثله كل عقد وقد وافق الفقهاء علي هذا بالنسبة للقبول فلم يشترطوا اشتقاقه من مادة خاصة بل يتحقق بأي لفظ يدل علي الموافقة أو الرضا مثل: قبلت، وافقت، أمضيت، نفذت. أما الإيجاب فإن العلماء متفقون علي أنه يصح بلفظ النكاح والتزويج وما اشتق منهما مثل: زوجتك، أو أنكحتك: لدلالة هذين اللفظين صراحة علي المقصود. واختلفوا في انعقاده بغير هذين اللفظين واتفق الفقهاء علي جواز الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقدان أو أحدهما لا يفهم العربية واختلفوا فيما إذا كانا يفهمان العربية ويستطيعان العقد بها: قال ابن قدامة في المغني: ومن قدر علي لفظ النكاح بالعربية لم يصح بغيرها وهذا أحد قولي الشافعي وعند أبي حنيفة ينعقد لأنه أتي بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية. ولنا: أنه عدل عن لفظ الانكاح والتزويج مع القدرة فلم يصح فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه: كالأخرس ويحتاج أن يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل علي معني اللفظ العربي وليس علي من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ النكاح بها. والحق الذي يبدو لنا أن الركن الحقيقي هو الرضا والإيجاب والقبول ما هما إلا مظهران لهذا الرضا ودليلان عليه فإذا وقع الإيجاب والقبول كان ذلك كافيا مهما كانت اللغة التي أديا بها قال ابن تيمية: أنه «أي النكاح» وإن كان قربة فإنما هو كالعتق والصدقة لا يتعين له لفظ عربي ولا أعجمي ثم إن الأعجمي إذا تعلم العربية في الحال ربما لا يفهم المقصود من ذلك اللفظ كما يفهم من اللغة التي اعتادها نعم لو قيل: تكره العقود بغير العربية لغير حاجة كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة لكان متوجها. كما روي عن مالك وأحمد والشافعي ما يدل علي كراهية اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة ويشترط في صحة العقد رضاء ولي المرأة «عند الجمهور» والإشهاد عليه وعندئذ علم أن عقد الزواج في الإسلام وإن كان من أغلظ العهود والعقود إلا أنه لا يشترط فيه طقوسا معينة أو ألفاظا مخصوصة كما لا يشترط ولا يستحب أن يعقد في المساجد كما يعتقد البعض بل يعقد في أي مكان كما لا يشترط أن يعقد علي يد شيخ من الشيوخ بل يجريه أي شخص أسند إليه ولي الأمر ذلك بل يكفي أن يكون ملماً بالأحكام المتعلقة بطبيعة العقد وصحته وهذا من يسر الدين وسماحته حيث لم يجعل لأي شخص خارج أطراف العقد سلطاناً عليهم الحمد لله علي نعمة الإسلام.