"إن الخطوة الأولي للثقافة هي المعرفة، والمعرفة تؤدي إلي الفهم، والرأي والحكمة، والرأي والحكمة يؤديان إلي أسلوب الحياة"، كان هذا هو رأي سلامة موسي في الثقافة، الذي ذكره في كتابه الصادر عام 1946 بعنوان "التثقيف الذاتي: كيف نربي أنفسنا"، وبالرغم من مرور 64 عاما علي صدور الكتاب، وبعد مرور كل هذه الأعوام منذ كتب موسي هذه الكلمات، فإننا مازلنا حتي اليوم في حيرة من أمرنا، بماذا نبدأ؟ وكيف نثقف أنفسنا بحق؛ مع معارض الكتب العديدة، والإقبال الشديد علي الشراء، وتضاعف أعداد دور النشر كل يوم، لم نر بعد دليلاً ولو بسيطاً لما يجب أن يقتنيه المرء كأساس لثقافة جادة، ولمكتبة حقيقية، بدلا من فوضي الشراء والاقتناء التي حولت مكتباتنا إلي مخازن، أقرب لديكور، منها لمصدر استفادة ومعرفة. في كتابه، قدم موسي نصائح قيمة للشباب المصري، في هذا الوقت، كي يبني شخصيته وعقله عبر التثقيف الذاتي، لا يزال بعضها صالحا حتي الآن، يقول موسي: عليك وقبل كل شيء بالجريدة اليومية كل صباح، لأنها تنبه الذهن وتزوده بالمعلومات، ومع تعدد الصحف، عليك باختيار صحيفة ما قريبة لك، تحرص علي قراءتها باستمرار، عليك أيضا أن تتدرج من الصحف اليومية إلي المجلات الراقية، فتختار لنفسك واحدة أو اثنتين تقرأهما بانتظام، والحقيقة أن فعل ذلك سيدفعك في نشاط وحرارة إلي اقتناء الكتب، حينها تكون قد وصلت إلي الطريق "الملوكي" للثقافة، لأنك ستعين لنفسك غاية ثقافية كأنها بوصلة. إن ماهية الثقافة تفرض علينا التعرف علي تاريخنا أولا، ثم تاريخ الأرض التي نعيش عليها، وتاريخ الأمم من الصين إلي فنلندا، ومن أوغندا إلي ألمانيا، كما يجب علينا أن نتعرف إلي العلوم والآداب وللأديان التي استمتع أو امتهن بها الإنسان، ويدعم هذا قول سقراط: لست أثينيا وإنما وطني هو العالم، كما أن الشاب المصري عليه أيضا أن يقرأ عن: مشكلات العصر الحديث، الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، والسبيل الأول لها هو الجريدة، وأن يقرأ عن الأديان، جميع الأديان التي تغيرت بها النفس البشرية منذ الأساطير الأولي، إلي الآن، كما أنه مما لا غني عنه القراءة عن الأدب العربي القديم، وقراءة الكتب العربية القديمة، وخلال القراءة يجب أن يتحلي القارئ بالموسوعية فيقرأ في السياسة، والتاريخ، والاقتصاد، والفلسفة، والفنون، ولكن قبل هذا عليه أن يكون ملما بلغته العربية، فضلا عن لغة أجنبية فالأديب الألماني جوته يقول: "من لا يعرف غير لغته لا يعرف لغته"، وعلي القارئ أيضا ألا يهمل الآداب العالمية، مادام ألم بأدبه الوطني. القضية التي شغلت سلامة موسي قبل عشرات السنوات، كانت الشغل الشاغل لسياسيي وأساتذة الغرب، في مقدمتهم الرئيس الأمريكي وودورد ولسون الذي كان قد وضع أربعة شروط للرجل المهذب، هي: أن يعرف تاريخ العالم منذ بداية الكون، فنشأة الحضارة، إلي الآن، وأن يعرف تاريخ الأفكار السائدة التي يسير العصر علي مبادئها، وأن يعرف علماً من العلوم بصورة عميقة، وأخيرا أن يعرف لغة ما، وخير اللغات التي يعرفها هي لغته التي نشأ عليها، كما قام دكتور يدعي إليوت، عمل مديرا عاما لجامعة هارفارد في وقت مبكر من بدايات هذا القرن، بوضع قائمة من مائة مجلد نشرتها شركة كوليار أندسن، يختار فيها ما يجب للقارئ الأمريكي أن يقرؤه، كما وضع هتشنز أحد مديري جامعة شيكاغو السابقين مائة اسم تبدأ من عصر الإغريق إلي عصرنا الحالي؛ ولم تتوقف مجهودات الغربيين حتي الآن في رصد أهم الكتب والأعمال التي ينبغي للإنسان المتحضر قراءتها، منها علي سبيل المثال القائمة التي أعدتها صحيفة الجارديان وتضم 1000رواية يجب أن يقرؤها المرء في حياته، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك دليل دائم يصدر في الولاياتالمتحدةالأمريكية يتضمن ترشيحات الكتب وما تنبغي قراءته، صدر لأول مرة عام 1932 في شكل نشرة صغيرة تضم أهم الكتب التي صدرت في فروع المعرفة المختلفة في فترة معينة، ظلّت هذه النشرة تُزاد وتراجع حتي أصبحت كتاباً متكاملاً صغيراً نُشر في طبعة شعبية سنة 1947، ليجد إقبالاً كبيراً وليصبح مرجعاً ودليلاً للقرّاء والكتّاب والمكتبات العامة، وتطور الكتاب في طبعاته اللاحقة وأصبح يراجع علي يد مجموعة من المفكرين والكتاب، بلغ عددهم في طبعته الأخيرة هذه -الطبعة الثالثة والعشرين- 34 مفكراً وناقداً وأديباً، لتشمل أهم الكتب التي صدرت في كل فرع من فروع المعرفة منذ بداية التاريخ المكتوب للإنسان في اليونان القديمة 800 ق.م، حتي نهاية القرن العشرين، في أقسام التاريخ، الثقافة الإقليمية وثقافة الأقليات، الأنواع الأدبية، العلوم الإنسانية والاجتماعية، والعلوم. بصورة عامة يحدد الاختصاصيون برنامج قراءة إذا واظب المرء علي تطبيقه، فلن يعلو الصدأ خلايا مخّه، وسيكون دوماً في بؤرة الأحداث التي تدور حوله في العالم، وذلك عبر قراءة كتاب واحد جيد أسبوعياً علي الأقل، وجريدة أو مجلة عادية، بالإضافة إلي مجلة للتحليل والتعليقات، ومجلة لمراجعة الكتب. للأسف، مجهودات وضع دليل عربي للقراءة محدودة ومشتتة، وغير واضحة المعالم، كما أن الكتب الأجنبية التي يوصي بها الغرب أغلبها غير مترجم للعربية بعد.