المؤسسات التربوية في الحضارة العربية الإسلامية: عندما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة أقام في قباء مسجدا، هو أول مسجد في الإسلام ، ثم بني عليه الصلاة والسلام إثر دخوله إلي المدينةالمنورة مسجدا بالمربد ، وكان يجلس فيه ليعلم أصحابه دينهم ودنياهم . وصار المسلمون يبنون في كل مدينة مسجدا . ولعل أول مسجد بني في مصر هو جامع عمرو بن العاص الذي بني في العام الحادي والثلاثين من الهجرة بتوجهي من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد فتح مصر. وأصبح هذا المسجد مركزا للثقافة الإسلامية ومحكمة للقضاء . وكان به أكثر من أربعين حلقة دراسية للتعليم يؤمها الطلبة للدراسة والبحث. الكتَّاب والبيت والمسجد: أ أظل الكتاب والبيت والمسجد كأوساط لتربية الطفل تلعب دورا رئيسيا حتي انتقل التعليم من المساجد كأماكن للتعليم إلي المدارس ولكن ظل الكتَّاب يلعب دوره في تربية الطفل بجانب المدرسة. ب ويغلب أن المدارس لم تعرف في عهد الصحابة والتابعين، ولم تنشأ إلا في نهاية القرن الرابع الهجري، وما يهمنا التعرف علي المناهج التربوية التي كانت تدرس فيها. ج فنحن إذا رحنا نتتبع المناهج التي ذكرها المؤلفون الإسلاميون في كتبهم في القديم والحديث نجدها كلها تحوم حول محورين: 1 محور المواد الواجب درسها: درس القرآن الكريم، بعض أخبار السنة ومعرفة أوليات الدين والعربية والحساب. 2 محور يتوسع فيه بدراسة علوم القرآن والدين وبحوث اللغة وآدابها ودراسة الحساب وما إليه من العلوم. وهذه المناهج، كانت متبعة منذ زمن الرسول وخلفائه الراشدين والأمويين، وصدر العباسيين ثم تطورت المناهج لعلوم أخري ليس هنا مجال ذكرها وليس لتربية الطفل موضوع البحث علاقة بها. د والخلاصة أن المدرسة في الإسلام تقابل الجامعة في عصرنا الحديث، ولم يستخدم المسلمون طوال العصور الوسطي، مصطلح الجامعة، وإنما أطلقوا اسم المدارس علي معاهد التعليم العالي. ه ومن المهم أن نعرف كذلك أن المدرسة الإسلامية كانت مكانا تقام فيه الشعائر الدينية، فقد استعملت أيضا كمسجد تقام فيه الصلوات الخمس فضلا عن صلاة الجمعة والعيدين، أي أن المدارس كانت مكان عبادة ودرس، والمساجد ظلت مكان عبادة ودرس، وكل ما في الأمر أن المدرسة غلبت عليها صفة الدراسة، والمسجد غلبت عليه صفة العبادة. مؤسسات التعليم غير النظامي: قبل انتشار المدارس كانت حلقات التعليم لا تعقد في أمكنة من طراز واحد بل تعقد في أمكنة مختلفة، كالمساجد ومنازل العلماء ودكاكين بيع الكتب وغيرها. ونتحدث الآن عن أمكنة التعليم هذه التي انتشرت قبل ظهور المدارس، ثم تنتقل بعد ذلك إلي أمكنة التعليم بعد ظهور المدارس. الكتَّاب: إن الكتاتيب وجدت قبل ظهور الإسلام، وإن كانت قليلة الانتشار. ثم أصبح الكتاب بعد ظهور الإسلام المكان الرئيسي للتعليم، دعت إلي ظهوره حاجات التوسع في نشر الدين وانتقال العرب من حال البداوة إلي حال الحضارة. وقد استمتع بمكانة كبيرة الأهمية في الحياة الإسلامية، لأنه كان المكان الرئيسي لتعليم الصغار القرآن، ولأن تعليم الأطفال القرآن بصفة خاصة كان أمرا عظيم الخطر في الإسلام ، حتي لقد اعتبره كثير من العلماء فرضا من فروض الكفاية. (للحديث بقية)