كان اول ما اهتم به النبي صلي الله عليه وسلم في الهجرة, بمجرد وصوله الي المدينةالمنورة هو إقامة المسجد النبوي. وكانت مشاركته للصحابة في بنائه والعناية به, دافعا للعرب المسلمين فيما بعد للاهتمام ببيوت الله والإكثار منها, لتكون بيوت الله مدرستهم وجامعتهم, يتلون فيها كتاب الله ويحفظونه, ويتعلمون السنة والعلوم الانسانية وغيرها من العلوم البحته. هذا مايوضحه الدكتور يحيي الكعكي( لبنان) في بيانه لرسالة المسجد في الاسلام انطلاقا من حرص النبي صلي الله عليه وسلم علي المبادرة ببنائه كأول بناء معماري بعد الهجرة, ويؤكد الكعكي أن المسجد يعتبر النواة الأساسية للمجتمع الاسلامي العربي.. وهو أول وأهم صرح حضاري في تاريخ الاسلام, كما يعد اللبنة الأولي للمنشآت الاسلامية منذ هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم. وتنطلق أهمية المسجد في الاسلام ليس لمجرد كونه مكانا للعبادة فحسب, بل بالإضافة الي ذلك, ليكون مركزا للتعليم والتوجيه والنفقة في الدين.. بتبليغ الوحي وتوضيحه في خطب الجمعية ومجالس العلم, خصوصا عند اجتماع المسلمين للصلاة فيه جماعة.. وكان الصحابة بعد النبي صلي الله عليه وسلم يتدارسون القرآن الكريم في المسجد النبوي ويتذاكرون فيه الحلال والحرام, ليتفقهوا في الدين. كما استعمل المسجد لاستقبال الوفود التي أتت النبي صلي الله عليه وسلم لأغراض مختلفة كطلب عقد معاهدة, أو طلب معونة, أو غير ذلك.. وكان النبي صلي الله عليه وسلم يجمع الصدقات والاموال العامة ويوزعها علي المستحقين في المسجد.. حيث جعل المسجد بمثابة مكتب للخدمة الاجتماعية وجمع التبرعات ومعونة المحتاجين.. بل إن النبي صلي الله عليه وسلم خصص في مسجده مكانا الايواء الفقراء والغرباء الذين لايجدون مأوي, وكان هذا المكان معروفا ب الصفة.. كما ضم مسجده صلي الله عليه وسلم مكانا لعلاج المرضي, خاصة أيام الحروب. كما سن النبي صي الله عليه وسلم أن يعلن النكاح في المسجد, وكان يصلح بن المتخاصمين ويقضي بين الناس في المسجد أيضا. فالمسجد بذلك يضيف الكعكي يشبه مركز إدارة الحكومة ومجالس التشريع.. فقد كان المسجد النبوي ندوة للمؤمنين باعتباره المركز الديني لهم, وكذلك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. من هنا استحقت المساجد ان يسميها عليه الصلاة والسلام رياحين الجنة ويناشد يحيي الكعكي الحكومات والشعوب والجمعيات إحياء دور بيوت الله وتعظيمها والعناية بها وعمارتها لتحقيق رسالتها, ولتعود للمسجد مكانته كمنطلق للعزة والتسامح والكرامة, والخروج من ضيق الدنيا الي سعتها, والخروج من الظلام الي النور.. لأن المسجد كان علي مر العصور مركز إشعاع, ومصدرا للتوعية السليمة في المجتمع.. لذا ينبغي أن يحظي بالدعم الكامل لأجل توفير الدعوة الوسطية في الاعتدال لسائر المسلمين, وتأكيد رسالته في ثقافة الحوار وأدب الحوار بين المسلمين وبعضهم, وبين المسلمين وأبناء الرسالات السماوية السابقة للإسلام وغيرهم من أبناء الثقافات الأخري.