ترجمة: أمنية الصناديلى في تقرير مطول لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أشارت إلي طبيعة الإسلام والمسلمين في الولاياتالمتحدة في بلد تحترم التعددية الدينية والثقافية، إذ أشار الكاتب بصحيفة نيويورك تايمز روث دوسات في مقال مطول إلي الخلاف حول بناء مسجد بالقرب من موقع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قائلا: إن أمريكا لا يهمها أي لغة تتحدث ولا أي إله تعبد ولا من أي أصل تنحدر، أمريكا يطغي فيها الولاء للدستور علي كل خلاف لغوي أو ديني أو عرقي، أمريكا يشعر فيها آخر من وطأت قدمه أرضها بنفس شعور الوطنية الذي يشعر به مؤسسوها والذين يعيشون فيها منذ عقود. لكن ثمة أمريكا أخري.. أمريكا مغايرة تعتقد في تميز ثقافتها ولا تؤمن بمبادئ سياستها.. أمريكا تتحدث الإنجليزية.. ليس الإسبانية أو الصينية أو العربية، ولها تراث ديني معين وهو البروتستانتية وما يوافقها من آراء يهودية مسيحية تستوعب اليهود والكاثوليك وتوجه قاعدتها الاجتماعية إلي الإنجلوساكسونيين وتتوقع من كل الوافدين أن يتشربوا قواعدهم ويتشبهوا بهم. إذن هناك مفهومان لأمريكا أحدهما دستوري والآخر ثقافي، وغالباً ما يكون المفهومان مختلفين إلا أن هذه المرة تحول الخلاف لصراع مع الجدل الدائر حول بناء مركز ثقافي ومسجد إسلامي في منطقة «جراوند زيرو» القريب من موقع تفجيرات 11 سبتمبر، وليس من المستغرب أن نري أمريكا الأولي تؤيد المشروع وتري فيه إعلاء لقيم الديمقراطية الأمريكية.. وكما قال الرئيس باراك أوباما: «هذه هي أمريكا ونحن ملتزمون بترسيخ الحرية الدينية التي يجب ألا تهتز»، وكما قال عمدة نيويورك مايكل بلومبرج: إن بناء المسجد هو اختبار حقيقي لإيمان أمريكا بقيم الحرية الدينية. لكن أمريكا الثانية تري المشروع باعتباره إهانة لذكري 11 سبتمبر، وعلامة علي عدم احترام قيم بلد لم يصبح فيه الإسلام جزءاً من الوعي العام إلا في الآونة الأخيرة بالإضافة إلي تلك الرؤية القاتمة عن الإسلام وأنه لن يتوافق بأي شكل من الأشكال مع طريقة الحياة الأمريكية، هذا هو الوضع الحالي مناظرة بين صوت رزين وآخر متعصب، عقل متسامح وآخر مصاب بمرض كراهية الأجانب، لقد رحبت أمريكا الأولي بالفقراء والمتعبين وكل الناس من كل جنس ولون، بينما أمريكا الثانية تشترط علي الناس أن يغيروا أسماءهم ويسقطوا لغاتهم الأصلية، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال انتقاد أي من المنهجين، فكلاهما كان ضرورياً لنجاح التجربة الأمريكية، إذ إنه علي سبيل المثال عند موجات الهجرة الكبيرة في القرن التاسع عشر كان الإصرار علي انتماء الوافدين للثقافة الأنجلوسأكسونية وعدم الاستسلام للاختلافات المختلفة سبباً في سهولة استيعاب الولاياتالمتحدة لكل ذلك الكم من الاختلاف. وقد يكون من حق أمريكا الأولي أن تضغط من أجل ضمان المساواة وإعطاء المسلمين حقهم في العبادة أينما يحلو لهم، إلا أنه من جهة أخري يبدو أن أمريكا الثانية محقة أيضا في ضغطها من أجل مصلحة الدولة، وليس التظاهر ضد دين أو عقيدة بعينها، والمشكلة هي أن أئمة المسلمين في أمريكا ينأون بأنفسهم عن الليبرالية وقد يبدو عدد منهم بمظهر المسلم المعتدل إلا أنهم في الواقع لا يوضحون موقفهم في مثل هذه الأمور، وتعليقات البعض قد تثير المشكلات، مثل تعليق الإمام فيصل عبدالرءوف، إمام أحد أكبر المساجد في نيويورك، بأن أمريكا شريكة في جريمة الحادي عشر من سبتمبر، المسلمون في أمريكا بحاجة لقادة لديهم قدرة أكبر علي الاندماج في الحياة المحلية ولديهم قدرة أكبر علي إدراك أنه إذا كان هنا أمريكا أولي تحمي قيم الحرية والديمقراطية فإنه هناك أمريكا ثانية تطالب بتعايش الوافدين الجدد مع الثقافة الأمريكية ومن ثم بقاء البلاد.