اليوم هو العاشر من رمضان.. فما أروعه من يوم وما أعظمها من ذكريات، ذكريات الفخر والحماسة. العزة والكرامة، العلم والإيمان.. الأرض والعرض.. الله أكبر بسم الله.. بسم الله.. صيحات مدوية من حناجر صائمة مؤمنة بالله والحق والأوطان، كانت الهزيمة قاسية علي النفس وكان الشعور بالألم شعورا عاما وكانت الرغبة في الثأر جامحة. لكن المصريين لم يركنوا إلي كونهم أصحاب حقوق فقط ولم يركنوا إلي أن العالم يعترف بحقوقهم وكفي، لم يذهب المصريون إلي المساجد ودور العبادة ليتضرعوا إلي الله سبحانه وتعالي بالدعاء كي ينصرهم علي أعدائهم وهم رقود كلا لم يحدث شيء من هذا! ما حدث هو مزيج من العمل الجاد والإيمان الصادق، كانت موقعة العاشر من رمضان مثالا ومدرسة للأخذ بالأسباب، لقد خطط المصريون وعملوا بإخلاص وتوكلوا علي الله فكانت المعركة مزيجا من العمل والإيمان. فكان النصر حتميا وكان النصر مؤزرا وكان التاريخ يفتح صفحاته ليسطر أروع الانتصارات بعد أسوأ الانكسارات! وبعد مرور كل هذه السنوات ونحن نتذكر هذه المعركة نتساءل ونتأمل ونفكر.. ماذا بقي من معركة العاشر من رمضان؟ هل بقيت القصص والحكايات والروايات لأعظم معركة في العصر الحديث؟ أم بقي الدرس والعبرة.. المثل والقدوة؟ حقيقة الأمر أن شيئا لم يبق من أثر هذه المعركة إلا حكايات الحكائين وشعر الشعراء وتأريخ المؤرخين، إنني أبحث عما بقي في نفس الإنسان المصري من أثر هذا النصر العظيم؟ إن روحا كانت تسري في جسد الأمة صنعت هذا النصر العظيم، هل بقيت هذه الروح أم تلاشت كما تلاشت معظم فضائل المصريين؟ إننا لا نؤمن بالتشاؤم ولا بالقنوط ولا باللون الأسود لكننا نحاول أن نمحو آثارا سيئة لنرسم مكانها صورة حقيقية جديدة للشعب المصري، كان الشعب المصري علي قلب رجل واحد صاحب مشروع قومي وطني، صاحب حق ومنطق، كان المصري ابن أصول، حيث احترام الكبير وتوقيره والأدب في الاختلاف وعدم الفجر في الخصام. كان المصري مبتسما ضحوكا خفيف الظل يرضي بالقليل ولا ينظر إلي ما في أيدي الآخرين، كان التدين بسيطا وصحيحا وغير مغالي فيه كان الحفاظ علي الأصول المتوارثة والمتواترة سمة من سمات الشعب المصري، كان لكلمة «عيب» معني ومدلولاً. لكن ننظر إلي ما حدث لهذا الشعب رغم الانفراجة التي لا ينكرها أحد في مستويات المعيشة فيتملكنا العجب، نطالع صفحات الحوادث فلا نكاد ننتهي حتي يسيطر علينا الإحباط والفزع من مستويات الأخلاق المتدنية. أصبحت المادة هي المتحكم الأساسي في كل شيء حيث أصبحت هي المعيار الأوحد للحكم علي الأشياء، وكأن المصريين قد فهموا خطأ مفهوم السوق الحرة والمدرسة الرأسمالية، أصبح تقريبا كل شيء مباحًا بدءا من الأرض والعرض إلي ما بعدها من قيم ومبادئ. لكنني أراها تغيرات «قشرية» أي إصابات في القشرة فقط ولم تصل بعد إلي اللب وهذا مبعث تفاؤلي، إننا نعيش ما يشبه «الفورة» سرعان ما تهدأ ولن يبقي منها إلا الأصل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، إن التغيرات المريعة التي نراها قد حدثت وامتدت لتشمل أرجاء القطر المصري، لم تصل بعد إلي مرحلة الخطر بعينه، لابد لنا من وقفات مع النفس نقيم فيها الأمور ونصارح فيها النفس ثم نبدأ في معركة الإصلاح، إصلاح النفس وهي مجال خصب للجهاد الأكبر وهو جهاد النفس. إننا نتلمس الطريق ونبحث عن بؤرة نور نتجمع حولها ونهتدي بها، فهل آن لنا أن نبدأ وننفض غبار النوم عنا؟ هل آن لنا أن نستلهم العظة والعبرة من ملحمة العاشر من رمضان؟ هل آن لنا أن نفجر طاقاتنا في المكان السليم؟ إنني أري أن الوقت قد حان كي نتحرك جميعا صوب طريق طويل مهتدين بقبس العاشر من رمضان.