إذا كنت من متابعي المسلسل الرمضاني «نازلي» «ملكة في المنفي» الذي تقوم ببطولته «نادية الجندي»، سأحاول هنا أن أقدم لك ملامح عامة عن شخصية الملكة «نازلي»، التي يتناول المسلسل حياتها خاصة في مرحلة ما بعد خلافها الشهير مع ابنها الملك «فاروق » وخروجها من مصر، وحياتها في أمريكا حتي نهاية سنوات حياتها. ورغم أن البعض يحدد مدي صلاحية الشخصية الحقيقية لعمل مسلسل أو عدمه من حكمه الأخلاقي علي تصرفاتها، إلا أنني أعتقد أن هذا الأمر خاطئ تماماً إذ أن المعول الأساسي هو مدي ثراء حياة هذه الشخصية، ومدي القدرة علي ابتكار معالجة درامية جيدة، ولو كان شيكسبير مثلاً قد وضع الحكم الأخلاقي أولاً لما قدم أعمالاً خالدة تحفل بشخصيات شريرة بل ساقطة مثل الليدي «ماكبث» و«ياجو» و«ريتشارد الثالث».. الخ، الحكم يجب أن يكون دائماً علي المعالجة الدرامية للشخصية وليس علي الشخصية الحقيقية وتصرفاتها في حياتها الفعلية. المعلومات الأساسية عن الملكة «نازلي عبد الرحيم صبري» تقول إنها ولدت في 25 يونيو عام 1894، وتوفيت في 2 يونيو 1978، وهي الزوجة الثانية للملك أحمد فؤاد بعد انفصاله عن زوجته الأولي «شويكار» وهي ايضاً أبنة «عبد الرحيم باشا صبري» الذي شغل مناصب رسمية مثل مدير مديرية المنوفية ووزير الزراعة، ويمتد انتساب «نازلي» إلي شخصيات شهيرة ومهمة في تاريخ مصر إذا إنها ابنة «توفيقة هانم» ابنة رئيس وزراء مصر السابق وأبو الدستور «محمد شريف باشا»، أما جدها لأمها فهو سليمان باشا الفرنساوي أو الكولونيل «سيف» سابقاً الذي وضع البذرة الأولي لتأسيس الجيش المصري. زواج «نازلي » من «فؤاد وكان وقتها يحمل لقب سلطان تم في عام 1919. وبعد وفاة الملك «فؤاد» تعرضت علاقتها مع ابنها «فاروق» لتوتر شديد ترجعه بعض المصادر إلي ما أثير عن زواجها العرفي بأحمد باشا حسنين، وفي عام 1946 تركت «نازلي» مصر بدافع العلاج في أوروبا، ولكنها سرعان ما ذهبت إلي أمريكا، واصطحبت معها بنتيها «فايقة» و«فتحية» التي تزوجت هناك من موظف صغير اسمه رياض غالي وفي عام 1950 قرر مجلس البلاط الحجز علي «نازلي» للغفلة، والغيت وصايتها علي «فتحية» وجردت من ألقابها، اتجهت حياتها في أمريكا اتجاهاً معاكساً بسبب مشاكلها المادية هناك، وتذكر بعض المصادر أنها أعلنت إفلاسها عام 1974، ثم حدثت مأساة ابنتها «فتحية» التي اطلق عليها زوجها السابق «رياض غالي» النار عام 1976 فقتلها وماتت نازلي أخيراً بعد حياة عاصفة عام 1978 وعمرها 83 عاماً، ويقال إن جنازتها لم يسر فيها سوي عدد محدود من الأشخاص. هذه هي المعلومات الظاهرية المعروفة، ولكن تفصيلات حياة ومعاناة «نازلي» فهي متضاربة وإن صورت عنها عدة كتب وتحدثت عنها مقالات مختلفة. ورغم تعدد الروايات والحكايات التي يندرج بعضها تحت بند النميمة إلاّ أنها تكاد تشترك في عدة أمور عن حياة نازلي: أولها أنها عاشت حياة مكبوتة وقاسية مع رجل مثل «فؤاد»، وثانيها أنها انطلقت إلي حياة مختلفة تمامًا بعد زوجها، وثالثها أنها كانت سيدة متقلبة العواطف ولا تتردد في المغامرة، ورابعها أنها كانت إحدي نقاط الضعف عند ابنها «فاروق» مما أثر علي شخصيته وعلي مسلكه في الحكم، وفيما يتعلق بالكبت الذي عاشته «نازلي» في ظل «فؤاد»، نشر الكاتب الصحفي الراحل «صبري أبو المجد» في كتابه الضخم «سنوات ما قبل الثورة - الجزء الثالث» الحوار الصحفي الوحيد الذي أدلت به «نازلي» - في حياتها كسلطانة ثم كملكة - في فبراير 1922 إلي الصحفية الأمريكية «جريس هوستون»، وأحدث نشر هذا الحوار ضجة داخل مصر وخارجها مما جعل الملك يصدر تعليماته بألاّ تقابل الملكة أي صحفي، أو أية صحفية علي الإطلاق. الغريب أن «جريس» تقول في مقدمة الحديث بعد أن وصفت قصر عابدين الذي تقيم فيه بالسجن: «لقد خرجت من عند الملكة نازلي وأنا أؤمن أن هذه الملكة الصريحة الطموح سيدة ذات روح متحررة، وأنها ستنتهز أول فرصة سانحة لكي تحطم كل القيود التي تضعها التقاليد حول عنقها.. وتهرب من السجن الشامخ الذي تقيم فيه! وتضيف الصحفية الأمريكية: «لم تفقد الملكة «نازلي» أملها في أن تحصل علي حريتها.. وكما قالت لي أنها لا تريد أن تكون أقل استمتاعًا بالحرية من ابنة زوجها الأميرة «فوقية»، فهي في مثل سنها، ولكنها تتمتع بحرية واسعة، وتسافر إلي أوروبا كل عام. وتحضر الحفلات سافرة الوجه وذلك في الوقت الذي لا تقابل الملكة «نازلي» أحدًا إلاّ أقاربها أو بعض صديقاتها. وأقصي رحلة يسمح لها بها هي الرحلة من قصر عابدين في القاهرة إلي قصر رأس التين في الإسكندرية، وهي كما قالت جلالتها مدينة رطبة جدًا لا أحبها.. وقد قيل لي في السراي عندما طلبت المقابلة - إن جلالتها تتمتع بحرية تامة وأنها تستقبل مَنْ تريد.. ولكن إحدي صديقاتها أكدت لي أنها لا تخرج من السراي مطلقًا.. وأنها لا تقابل إلاّ عددًا معينًا من السيدات.. السيدات فقط لا الآنسات.. وأن هؤلاء يدرجن أسماءهن في كشف تعده كبيرة الوصيفات مدام «قطاوي باشا». وتحكي الصحفية عن حصولها علي المقابلة مع الملكة بصعوبة بالغة، وبعد وساطة «ليدي كونجريف» زوجة القائد العام البريطاني شخصيا، أما «نازلي» - التي أثنت «جريس» علي جمالها الشرقي وأناقتها الواضحة - فلم تتردد في أن تشكو بصراحة من غيرة زوجها، وحكت للصحفية قائلة: جاءني الملك منذ بضعة أيام قلقًا مهمومًا، وقال لي إنهم اخترعوا في أمريكا تليفونًا يري فيه المتكلمون بعضهم، وإنه سيعَّمم في العالم قريبًا وهذه المسألة تشغله إذ لا يدري هل يسمح بإدخاله في القصر أم يرفع التليفونات كلها من هنا تصوري؟ إنه غيور غيور إلي درجة لا تطاق كانت نازلي وقتها فتاة في الثانية والعشرين من عمرها ولكنها تحدثت بجرأة عن زواجها وعن حال الفتاة المصرية عموماً قالت نازلي الفتاة عندنا تتحجب في سن الرابعة عشرة وتخطر أول ما تخطر في الثامنة عشرة أو قبلها بأنها ستتزوج فلانا وكل ما عليها هو أن تستعد وقد قيل لي وأنا في الثامنة عشرة من عمري إن علي أن استعد لأتزوج السلطان ولما عارضت وكان العريس يكبرني بسنوات عديدة تعجبوا وقيل لي كيف ترفض بنت الشعب يد السلطان. في هذا الحديث النادر قالت نازلي إنها ظلت تقاوم الزواج من فؤاد حتي آخر لحظة وتمنت أن تتحقق الحرية لنساء مصر وقالت في صراحة نادرة أدعو الله صباح مساء ألا تلقي فوزية ابنتها نفس مصير أمها وأن تستمتع بالحرية فتستطيع أن تتزوج ممن تريد وتسافر وتذهب وتجيء الأمر الذي لا أستطيعه أنا بل إنها ذكرت الملك الغيور كان يرفض أن ترافقه في أسفاره ووصفت نازلي غيرة زوجها بأنها حمق وغباء فظيع وأعلنت أنها لا تستطيع الحصول علي كتاب إنجليزي واحد عن المرأة وأي كتاب يرسل إلي الوصيفة مدام قطاوي ليمر علي رقابة الملك أولاً! لا شك أننا أمام شخصية ثرية بالتفاصيل والتقلبات والصراعات والعواطف المتناقضة وكلها عناصر الدراما الجيدة ولكن المشكلة يلخصها هذا السؤال وأين لنا شكسبير آخر ليصنع نموذجاً درامياً لا ينسي بصرف النظر عن تقييم الشخصية من الناحية الأخلاقية؟! هذه لمحات من نازلي ولكن أين هو الكاتب العظيم؟!