طالب عدد من علماء الأزهر بوضع عدد من الضوابط التنظيمية علي غرار ما قامت به السعودية في مسألة تنظيم موائد الإفطار في رمضان وعدم تركها عشوائية بحيث تعطل السير في الشوارع العامة والطرقات. وكانت السلطات السعودية قد اقرت اشتراط الحصول علي إذن مسبق لإقامة موائد إفطار الصائم خلال شهر رمضان وحظر جمع التبرعات بالمساجد لهذا الغرض، واعتبرتها نوعاً من الضوابط لتنظيم هذا العمل الخيري النبيل -إفطار الصائم- بما يحقق الهدف المنشود منه علي الوجه الشرعي السليم الذي لا يخرج به عن المقصود منه". بداية يري الدكتور نصر فريد مفتي مصر الأسبق أن مسألة إفطار الصائم أمر مفتوح لقوله صلي الله عليه وسلم: " من فطر صائما فله مثل أجره"، وهذا في أصله الشرعي ان يترك لكل إنسان إقامة عمل موائد لإفطار الصائم، إلا أنه من الناحية التنظيمية فإنه يمكن للدولة أن تنظم الأمر بالصورة التي تراها صالحة ومفيدة. ويوضح قائلاً:" إن الدولة لها أن تقرر عدم إقامة موائد الرحمن إلا بإذن مسبق، حيث يمكن اعتبار ذلك أمرا تنظيميا في حد ذاته، و يمكن أن توضح الدولة أسباب هذا التوجه الذي قامت به، حيث إن الأمر راجع للسياسة التنظيمية وليس إلي السياسة الشرعية، ومن ثم فالأمر مسألة تنظيمية راجع للدولة بحيث يكون هناك ما يتطلب تحديد تعداد الموائد في المساجد والأماكن العامة". الدكتور محمد دسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم يشير أيضا إلي أن عدم إقامة موائد إفطار الصائم إلا بأذن مسبق مسألة تنظيمية يمكن للدولة اللجوء إليها، الغاية منها ليس منع موائد الرحمن وإنما يراد أن يكون وراءها تنظيم حيث لا يترتب عليه مشاكل أو استغلال من البعض لموائد الإفطار استغلالاً غير سليم. ويضيف أنه بناء علي ذلك يمكن القول إن التنظيم للموائد وعددها وأمكانها لا يعني منعها، وإنما يعني التنظيم حتي لا يحدث خروج عن المطلوب من إقامة موائد إفطار الصائمين، وبالتالي تكون قضية الاذن المسبق لموائد الرحمن، أو تحديد المكان ليس له علاقة بتشريع أو بتحريم أو تحليل وإنما هي عملية تنظيمية حتي لا يكون هناك نوع من استغلال دعوة موائد الإفطار تنفق في أمور أخري، والتنظيم في مختلف الأمور أمر جائز تحقيقا للمصلحة. أمور طارئة ويورد الدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة الإسلامية تفصيلا في المسألة حيث يوضح أن من سمات الإسلام البارزة أنه دين كريم يحب الكريم ويحض علي الكرم وينهي عن البخل والإمساك عن الإنفاق في سبيل الله ؟، ومن أهم مظاهر هذا الكرم هو إطعام الطعام . ويضيف: أن الله سبحانه وتعالي قد مدح آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم وهما علي وفاطمة لإطعامهما الطعام، فقال تعالي :" ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم: " إذا دعيتم فأجيبوا"، ومن ثم شرعت الولائم في المناسبات، ويكون إطعام الطعام أكثر ثوابا وأقرب قبولا عند الله سبحانه تعالي إذا كان ذلك في شهر الصوم وهو شهر رمضان . ويشير الدكتور مصباح إلي أن ظاهرة موائد الرحمن لإفطار الصائم بحسب الأصل مشروعة والمحاذير التي ترد عليها ليس بحسب أصلها، وإنما بأمور طارئة عليها كأن يكون المال من حرام، اكتسبه صاحبه من عمل محرم شرعا، أو يكون قد أتي به من المعاملات، أو يكون استولي عليه من الغير نصبا واحتيالا أو غصبا أو يريد من ورائه جاها دنيويا، كما يحدث لبعض التجار أو بعض أعضاء المجالس التي بحاجة للانتخابات، أما إذا كانت المائدة أريد بها وجه الله فهذا لا غبار عليه وهو مطلوب شرعا. ومع ذلك فإن الدكتور مصباح حماد يري انه إذا كانت هذه الموائد تستخدم لتحقيق غرض ما يؤدي إلي الخلل بأنظمة الدولة ورأت الدولة حماية لأمنها واستقرارها، و أبعاد المؤثرات التي تجمع بين طائفة معينة أن تضع تنظيما لهذه الموائد فلا حرج في ذلك ولا مانع منه شرعا حيث سيكون تنظيماً وسياسة لإصلاح الرعية، وإصلاح حال المجتمع بدلا من أن تكون فوضي لتحقيق أغراض شخصية. ويختتم قائلا :" وبهذا يعلم أن موائد الرحمن في رمضان هو عمل خير وظاهرة طيبة إذا قصد بها وجه الله، وأن المحاذير إنما هي في الوسائل والأغراض والأهداف، كما تبين انه يجوز للمسئولين في الدولة أن يضعوا نظاما لهذه الموائد يحقق الهدف منها ويحقق أيضا الأمن، وألا تكون لقمة العيش وسيلة ضغط علي المواطنين المحتاجين لتحقيق غرض من الأغراض الدنيوية".