الأيام لا تتكرر ولو تشابهت، تموت بلا بعث، ومنها ما يعيش في ذاكرة التاريخ تتقاذفه الأجيال للأبد، لما شهدته تلك الأيام من أحداث خالدة مأساوية كانت أو مبعث المجد والفخار، فمن العجيب أن الحدث الواحد يحمل لطرف نقيض ما يحمله للآخر، فعلي سبيل المثال، انتصار أكتوبر المجيد يمثل لنا كمصريين مبعث الفخر، وللإسرائيليين لوعة الألم والانكسار. في الساعة ال9.15 صباحاً بتوقيت هيروشيما غرس يوم 6 أغسطس من العام 1945 جذوره في ذاكرة التاريخ، يومها تجرع اليابانيون فجيعة وآلام الصدمة، واليوم يشاطرهم العالم بعد 65 عاماً الألم والثمن. في تلك اللحظات كانت الطائرة «ب 29» الأمريكية تحمل طاقما مكونا من 12 فرداً محلقة فوق هيروشيما اليابانية وما هي إلا لحظات وكانت أول قنبلة ذرية في العالم تتحرر من قاذف الطائرة لتنفجر بوزنها البالغ 9400 رطل أي حوالي 4 أطنان و700 كيلو جرام من اليورانيوم 235 فاشتعلت الأرض وتصاعدت سحب الدخان وقضت علي اليابس والأخضر، وها نحن الآن نعاني انتشار السلاح النووي ويعقد العالم الاجتماعات والمؤتمرات وينشئ الهيئات ويبرم الاتفاقات لمنع انتشار التسلح النووي. لكن السؤال ما هو الثمن الذي دفعته أمريكا نظير خطيئتها الكبري وما هو التعويض الذي نالته اليابان التي لم تتلق صفعة هيروشيما فقط بل وناجازاكي هاتان المدينتان البائستان في ذلك الحين الناهضتان الآن؟ الواقع أن أمريكا مازالت تجني أرباح نشر الدمار في العالم، بينما الضعفاء يتجرعون الآلام، فها هي ربيبتها إسرائيل تملك قرابة ال80 رأسا نوويا، وها هو العراق الحزين يئن صباح مساء كلما خرق جسده تفجير جديد، يبكي ابناؤه المتمزقون اشلاء ونساؤه الثكلي، وكل جناية العراق أن الأمريكان اتهموا قيادته السابقة بامتلاك سلاح نووي هم من ابتدعوه، والمؤسف أن الواقع كشف زيفهم ومع ذلك لم يدفع الأمريكان ثمن جريمتهم الجديدة. وهنا أقصد الأمريكان إدارة وحكومة وليس شعباً فمن الشعب من يصرخ ضد إرهاب دولته، جاء أوباما فهلل العالم العربي والإسلامي ابتهاجاً بقدوم من وصفوه بالمهدي المنتظر، مباركين قذيفة منتظر الزيدي في موقعة الحذاء، عندها صرخت في تلك المساحة، ليس هكذا ياسادة تعقل الأمور، فأوباما ليس المهدي وحذاء الزيدي لم يعد الأرواح في أجساد الشهداء ليعودوا بشراً يأكلون الطعام ويمشون بيننا في الأسواق. ومازالت أؤكد أن أوباما لم يكن سوي جزء جديد من خطة كبيرة متعددة المراحل، الأولي نفذها بوش ب توزيع الاتهامات وخلق الذرائع والمبررات لغزو بلدان بالشرق الأوسط ومنها العراق وأفغانستان، والهدف سلب الثروات، وتأمين حلفاء الخفاء، وتأسيس قواعد عسكرية لتأمين المصالح الأمريكية، وهذا بالطبع له ثمن موجة عارمة من الغضب في الصدور ضد أمريكا تهدد أمنها ومواطنيها وتحقق الهدف. وهنا تأتي المرحلة الثانية من الخطة تفريغ شحنة الغضب المعادي لأمريكا من الصدر العربي، وغسل الثوب الأمريكي من دنس إدارته السابقة، بتمكين رئيس جديد أسمر اللون لكسب تعاطف أفريقي خاصة مع الحديث عن أصوله بالقارة السمراء، يطعم خطاباته بآيات من القرآن، لكسب تعاطف العالم الإسلامي، ومن ثم يتحقق الهدف الأول وهو سلب الثروات والثاني جراحة التجميل لصورة أمريكا وقد حدث، وبعد تلك الفترة من وعود أوباما لم يتحقق شيء، فالعرب حصلوا من الرئيس الأمريكي الجديد علي جائزتين السلطانية وخفي حنين فيما حصل أوباما علي جائزة نوبل «للكلام»، بينما اليابان امتلكت بالعلم من القوة ما يكفل توجيه آلاف الصفعات الاقتصادية لمن بادروها من قبل بصفعات عسكرية.