عرفت مصر الحياة النيابية منذ سنوات طويلة مضت قاربت علي المائة والثلاثين عامًا فكانت من أوائل دول العالم التي ظهر فيها البرلمان، وبظهور البرلمان ظهر المرشحون وناخبوهم، وتعددت أشكال التمثيل الشعبي من مجالس القري إلي المجالس المحلية والشعبية التي تضم أعضاء منتخبين يمثلون كل فئات الشعب وصولاً حتي مجلسي الشعب والشوري، يطرحون المشاكل والمعوقات ويقترحون سبل الحل الأمثل لها خدمة لأبناء الدائرة، ولقد استمرت الحياة النيابية المصرية بكل تياراتها وممثليها علي وتيرة واحدة.. حتي جاء عام 2005 يحمل نموذجًا جديدًا من نماذج الديمقراطية التي تحترم رأي الشعب وإجماعه، كان هذا العام يحمل انتخابات ديمقراطية علي المنصب الأرفع في الدولة وهو منصب رئيس الجمهورية، وبعد أن كان هناك اسم واحد فقط مرشح لرئاسة الجمهورية يتم الاستفتاء عليه بالرفض أو القبول. أصبح هناك أكثر من مرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية تم التصويت عليهم جميعًا ليفوز الرئيس مبارك بمنصب رئيس الجمهورية في أول انتخابات ديمقراطية حول منصب الرئاسة بعد أن قدم برنامجًا انتخابيًا يحوي رؤيته المستقبلية للوطن شأنه شأن كل المتنافسين الآخرين.. ولم يفز الرئيس مبارك بسبب قوة برنامجه الانتخابي فقط، لكنه فاز لأنه كان المرشح الوحيد الذي عرف بدقة حدود دائرته الانتخابية التي رسمتها خطوط العرض والطول الجغرافية لمساحة جمهورية مصر العربية. بينما تعامل باقي المرشحين مع انتخابات الرئاسة بنفس منطق التعامل مع انتخابات الشياخة التي يحدها شارع من هنا وزقاق من هناك، ولسوف يستمر هذا الوضع في التعامل مع الانتخابات الرئاسية طالما أن المرشحين يتعاملون مع هذه الطفرة الديمقراطية باعتبارها انتخابات الشياخة وليست انتخابات الرئاسة. ولن يفوز في انتخابات الرئاسة القادمة إلا المرشح صاحب البرنامج القوي الفاعل الذي ينجح في ترجمة آمال وطموحات الشعب ليضعها موضع التنفيذ من خلال خطوات محسوبة ومدروسة علي أساس واقعي بعيدًا عن انفعال التظاهر وصرخات الحناجر، سوف ينجح المرشح الهادئ الذي يعرض حجته للنقاش دون غضب أو ثورة ويغلب صوت العقل علي الهتاف الأهوج ويستفيد من خبرات وآراء الآخرين ويدير الحوار تحت مظلة مصلحة الوطن والمواطن، سوف ينجح المرشح الذي يحترم منافسيه ولا يبحث في تاريخهم بقصد الإساءة والإقلال من شأنهم وتشويه صورتهم أمام جموع الناخبين، سوف ينجح المرشح الذي لا يسعي إلي جماعة بعينها لتأييده وإنما يسعي لكسب تأييد ومناصرة جموع الشعب بأكمله لا ينصر فئة علي أخري، سوف ينجح المرشح الذي يحترم تاريخ الوطن بكل أحداثه وشخوصه بكل انكساراته وانتصاراته وصموده، فلكل مرحلة تاريخية رجالها وأبطالها الواجب احترام إنجازاتهم ومجمل أعمالهم، سوف ينجح المرشح الذي يحتوي في صدره المعارض قبل المؤيد.. فكلهم أبناء الوطن الذي يسعي لرئاسة دولته. سوف ينجح المرشح الذي ينذر نفسه خادما للشعب ولا يشترط علي ناخبيه الشروط حتي يقبل الترشح، سوف ينجح المرشح الذي يبحث عنه الشعب لينتخبه رئيسًا للدولة وليس ذلك المرشح الذي يبحث عن شعب من الناخبين يدلون بأصواتهم لصالحه ليصبح عليهم فخامة الرئيس. الشعب يبحث عن المرشح الذي يجمع ولا يفرق، يحتوي ولا يطرد يتناقش ويتحاور دون ثورة أو انفعال، أنه المرشح الذي ينطلق من قاعدة الشعب المصري مسلحا بحب الجماهير واحترامها واقتناعها بفكره ورؤيته وهو ليس ذلك المرشح الذي يتحرك وفق أجندة غريبة عن المجتمع المصري.. حتي وإن كانت تلك الأجندة لها صفة العالمية.. الوطن يحتاج إلي رئيس سوف يعتبره التاريخ امتدادًا لرؤساء عظام سبقوه ساهم كل منهم في إبقاء العلم المصري خفاقًا لا ينتكس، أنه المرشح الذي يبحث عنه الشعب لينتخبه، وليس ذلك المرشح الذي يبحث عن شعب لينتخبه.