أتوقف كثيراً عند الآية الكريمة في سورة الضحي التي يخاطب فيها المولي رسوله الكريم قائلاً " ولسوف يعطيك ربك فترضي"، وأتوقف عند تفسير المفسرين لهذه الآية الكريمة، وما فيها من دلائل فضل المولي علي رسوله الكريم.. حيث يعدد المفسرون أنواع النعم التي أنعم الله بها علي رسوله في الدنيا وفي الآخرة حتي يرضي، ويشير المفسرون إلي أن معني"وَلَسَوْفَ يعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي" أي سوف يعطيك ربك في الآخرة من الثواب، والكرامة، والشفاعة، وغير ذلك إِلي أن ترضي.. قال ابن عباس: هي الشفاعة في أُمته حتي يرضي، لما روي أن النبي صلي الله عليه وسلم ذكر أمته فقال: اللهم أُمتي أُمتي وبكي، فقال الله: يا جبريل اذهب إِلي محمد واسأله ما يبكيك؟ - وهو أعلم فأتي جبريل رسول الله صلي الله عليه وسلم وسأله فأخبره رسول الله بما قال، قال الله: يا جبريل اذهب إِلي محمد وقل له: إِنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك، وفي الحديث (لكل نبي دعوةٌ مستجابة، فتعجَّل كل نبي دعوته، وإِني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة. قال الخازن: والأولي حملُ الآية علي ظاهرها ليشمل خيري الدنيا والآخرة معاً، فقد أعطاه الله تعالي في الدنيا النصر والظفر علي الأعداء، وكثرة الأتباع والفتوح، وأعلي دينه، وجعل أمته خير الأمم، وأعطاه في الآخرة الشفاعة العامة، والمقام المحمود، وغير ذلك من خيري الدنيا والآخرة.. وعلي الرغم من روعة هذه المعاني والتفسيرات، فإنني أعتقد أن هذه العطاءات وتلك الفيوضات الإلهية ليست قصراً علي النبي، ولا خاصة به وحده، وإنما الآية يمكن أن يعتبرها كل شخص منا وكأنها رسالة من المولي سبحانه وتعالي له شخصياً.. ويمكن أن يفسرها كل شخص منا علي أنها توجيه إلهي له بالرضا بما أعطاه الله له، والشكر علي ما يتمتع به.. لينظر كل منا إلي حاله، ولينظر كل منا إلي النعم التي لا تحصي التي أعطاها الله له، سيجد أنها فوق ما يستحق، وأكثر من طاقته علي الشكر والحمد.. أبسط الأشياء هي نعم كبري.. نومك في هدوء.. تناولك الطعام وأنت قادر علي مضغه وهضمه.. قدرتك علي الحركة وعلي السير حتي لأقصر المسافات.. قدرتك علي الضحك وعلي الاستمتاع به.. قدرتك علي أن تقرأ بنفسك دون مساعد.. حتي قدرتك علي الذهاب إلي الحمام.. كل هذه الأشياء البسيطة من وجهة نظر البعض هي نعم كبري منحنا الله إياها لعلنا نرضي.. والغريب أن "قليل من عبادي الشكور" كما أشار المولي سبحانه وتعالي.. إن الرضا يثمر الشكر الذي هو من أعلي مقامات الإيمان، علي النحو الذي أشار إليه عائض القرني في كتابه الرائع لا تحزن، وهو حقيقة الإيمان.. فإن غاية المنازل شكر المولي، ولا يشكر الله من لا يرضي بمواهبه وأحكامه، وصنعه وتدبيره، وأخذه وعطائه، فالشاكر أنعم الناس بالاً، وأحسنهم حالاً. رضينا يا رب بعطاياك، وحمدنا لك موصول، وشكرنا لك دائم.. يا الله.