ما كدنا نودع نصر حامد أبو زيد إلي مثواه الأخير.. ووسط كلمات الرثاء العظيمة التي شيعه بها كتاب ومفكرون ومناضلون سياسيون.. حتي كان الصديق والكاتب الصحفي مجدي الدقاق يساق إلي المحتسبين الجدد فيما يسمي «جبهة علماء الأزهر» بتهمة «العيب في الذات الإلهية»!! وللأسف من قبل بعض من يطلق عليهم كتاب أو صحفيون أو مثقفون.. والمفارقة المؤلمة في ذلك المشهد: (وداع أبو زيد الصاخب.. أو الصمت المريب لما يحدث للدقاق)، أن نقابة الصحفيين «نقابة الرأي وحرية الكلمة» منعت أبو زيد من الدخول إليها حينما أراد.. النخبة وفي مقدمتهم الأستاذ سعد هجرس للاحتجاج علي منعه من دخول الكويت كذلك فإن نقابة الصحفيين لم تتحرك لمواجهة ما يحدث لأحد أعضائها وهو مجدي الدقاق! والمفارقة الأكثر إيلاماً أن أغلب المحتسبين الجدد استطاعوا أن يحتلوا أغلب صفحات الصحف ومساحات المشاهدة لدي برامج «التوك شو» بل واستطاعت جماعة الإخوان المسلمين الأب الشرعي لإقصاء الآخر أن تتربع علي ما يسمي «بالجمعية المصرية للتغيير» التي سوف تتحول قريباً إلي «الجمعية الشرعية للتغيير» وكلنا نتابع معارك الإخوان المسلمين ومرشد الجمعية الشرعية للتغيير الأستاذ الدكتور حسن نافعة في الدفاع عن إقصاء حزب الوسط ثم الشيوعيين ومن قبلهما البرادعي شخصياً ومن يختلف سوف يتهم بالعمالة للحزب الوطني وأجهزة الأمن واستخدام «بعبع الإخوان» لعرقلة التغيير! في ظل هذه العتمة الباهرة لم تتبن النخب المعارضة - باستثناء أ صلاح عيسي وأ فريدة النقاش قضية مجدي الدقاق لأسباب ليست خفية علي شعوذة هذه القبائل الفكرية كون الصديق مجدي الدقاق من الأعداء في الحزب الوطني.. ولجنة السياسات وأن أي تطبيع معهما «خيانة وطنية» وهكذا يقع الدقاق بين مطرقة جماعات التكفير وسندان جماعات التخوين! ذلك هو المناخ المقيت الذي استطاعت فيه قوي التخوين وقوي التكفير أن تسيطر علي ما تبقي من مساحات للتغيير وتتبادلا المواقع ما بين إخصاء العقل المصري وإقصاء العقلانية في هذا الوطن. عرفت الزميل مجدي الدقاق منذ ثمانينيات القرن الماضي صحفياً حقيقياً حينما كانت الصحافة مهنة الرأي وصناعة ضمير، وكانت هناك أسماء أخري من أبناء جيلي في بلاط صاحبة الجلالة تكتب ما تؤمن به وتؤمن بما تكتب مثل الراحلين: رضا هلال ومجدي مهنا ومحمد حاكم وحامد العويضي.. ومن هم علي قيد الحياة أطال الله أعمارهم: نبيل عبد الفتاح وحمدي رزق ومصباح قطب، وأجيال أخري مثل إبراهيم عيسي وعمرو خفاجي وإبراهيم منصور وأسامة سلامة وآخرين علي مختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية. وتفرد مجدي الدقاق بالعديد من المعارك الفكرية في أداء عمله الصحفي.. وهناك تحقيقات له أثارت معارك فكرية مثل سلسلة تحقيقاته عن المنطقة الحرة في بورسعيد في تسعينيات القرن الماضي التي أغضبت أهل مدينته، وكذلك حواراته وتحقيقاته عن التعصب الديني، ومعركته في الهلال حول إعادة طبع «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، ومؤخراً معركة غلاف مجلة أكتوبر عقب مباراة مصر والجزائر كأنه كان يقرأ المستقبل فبعد أقل من عام جاء غلاف أكتوبر للرئيس مبارك في الجزائر ثم معركته الآن مع المحتسبين الجدد. في كل تلك المعارك لم يقدم الدقاق نفسه مفكراً بل استخدم الأدوات الصحفية من خبر لتحقيق لحوار «إلخ» في طرح قضايا سار فيها عكس التيار بل وعكس الرأي العام المكبل بكل قيود البيزنس والخطاب الديني وتحالف الفساد والرجعية.. إن معارك الصحفي مجدي الدقاق ارتكزت علي أولوية الحداثة أو الدولة المدنية الحديثة ومشروع النهضة علي مطالب أخري كثيرة، ومن ثم فإن مجدي الدقاق يتمتع بشفافية حقيقية فهو عضو بالحزب الوطني ولجنة السياسات ومن حق المختلفين معه أن يديروا معاركهم معه ومع تلك الهيئات السياسية ولكن من حق مجدي الدقاق علي المختلفين معه سياسياً أن يحترموا موقفه المبدئي من قضية الحداثة وأولويتها لهذا الوطن. ولكن في ظل ابتزاز قبائل الجمعية الشرعية للتغيير وتماهي جماعات التخوين مع جماعات التكفير لابد أن يسود مناخ أسود ينعق فيه «البوم» في سماء الوطن ويقودوا الصحفيين والكتاب والمفكرين إلي ساحات المحاكم باسم الله زوراً وبهتاناً أو باسم الوطنية المزيفة.. تحية للزميل مجدي الدقاق طاقة نور في ظلمة طالت محراب العدالة وعتمة نقابات الرأي في مصر وفي مقدمتها «نقابة المطوعين» الصحفيين سابقاًَ؟!