مارست جبهة علماء الأزهر منذ تأسيسها بالقاهرة عام 1946 دوراً رقابياً لمصادرة الأعمال الإبداعية والفكرية، فقد كانت ضلعاً أساسياً في التفتيش في الضمائر والأفكار حيث رفعت عشرات القضايا وأصدرت مئات البيانات ضد المثقفين وأصحاب الرأي، كان من آخرها البيان الذي أصدرته الجبهة علي موقعها بشبكة الأنترنت إبان أزمة «ألف ليلة وليلة» والذي وصفت فيه بعض الكتاب المصريين الذين دافعوا عن إعادة طبع ونشر ألف ليلة وليلة بالمخانيث والسفهاء، كما شن البيان هجوما شرسا علي وزير الثقافة فاروق حسني متهما الوزارة والوزير بتسميم الأذواق وتشويه كل جميل في الحياة. جاء البيان رداً علي مقال للدكتور جابر عصفور نشر بجريدة الأهرام، وقد حمل البيان عنوانا صارخا هو «إلي وزير الثقافة الذي لم يجد في غير السفهاء أعوانا وانصاراً»، وقد راح البيان يسب ويقذف في شخص د. عصفور ووزارة الثقافة بشكل مقذع وبألفاظ نابية يعف عنها اللسان. كان أقلها تلك الجملة: «تلك الثقافة التي ارتضوها لانفسهم ملاذا فظلموا بها كل ثقافة، وكانوا بذلك علي الدرب الدنس الذي به عرفوا وإليه انتسبوا من لزوم أردية الزور والبهتان، والعمالة الرخيصة التي صارت معلما من معالم عهدهم، هذا العهد الذي أصبح فيه للمواخير سدنة بتلك الوزارة»، وغيرها من الألفاظ التي تدخل في باب السب والقذف. من الجدير بالذكر أن جبهة علماء الأزهر - هذه - لا تحمل الآن أي صفة قانونية بعد أن صدر قرار من محافظ القاهرة السابق عبدالرحيم شحاتة في يونيو 1998 بحلها واغلاق مقرها، إثر مجموعة من الفتاوي التي اصدرتها الجبهة ضد الراحل د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، والذي قام برفع دعاوي قضائية ضد الجبهة حتي حصل علي حكم قضائي نهائي بحلها عام 1999، ومنذ عام 2000 اختفت الجبهة حتي عاودت الظهور مرة أخري من الكويت وأطلقت موقعا الكترونيا معلنة فيه إعادة نشاطها برئاسة الدكتور محمد البري وأعلن أمينها العام د. يحيي اسماعيل حبلوش في حوار أجره «إسلام أون لاين» أن علماء الجبهة علي استعداد لمواجهة أي ضرر يلحق بهم بسبب إطلاق هذا الموقع، وأن من اهداف الجبهة رفع شأن الازهر علميا وادبيا ومناهضة البدع والاهواء والعادات السيئة». كيان غير شرعي من ناحية أخري أشار الشيخ عمر الديب - وكيل الأزهر - إلي أن هذه الجبهة كيان غير شرعي، وأن الأزهر ليس له إدارة سوي مشيخة الأزهر - فقط - وأن ما يصدر عن بعض الكيانات غير الشرعية - ومنها جبهة علماء الأزهر - كما تسمي نفسها - والتي صدرت ضدها أحكام قضائية تقضي بعدم شرعيتها وشرعية ما تقوم به بالتالي - كل ما يصدر عنها لا يمثل رأي الأزهر، ولا مصدرا للمعلومات باسمه. وأن هناك جبهة عليا لعلماء الأزهر تتميز بالاستنارة والشرعية يمكنها التحدث باسم الأزهر. بالإضافة إلي وجود مجمع البحوث الاسلامية والذي يتم اختيار اعضائه بمنتهي الشفافية والديموقراطية. وما أشار إليه الديب فيه رد واضح علي أحد البيانات الاساسية التي أطلقتها الجبهة علي موقعها الالكتروني الجديد والذي جاء فيه «أن هذه الجبهة جاءت علي قدر مقدور مع الأزهر الشريف مناصرة له وزائدة عن حياضه، وساعية في مرضاة الله بالقيام علي خدمة أهله ورجاله. تيار متشدد يري المفكر الإسلامي جمال البنا أن الجبهة تمثل تياراً متشددا ومبالغا في التشدد فليس لها كيان قانوني، فباسم من تتحدث، فلا يحوز أن تتكلم باسم الأزهر، لأن الأزهر مؤسسة دينية كبيرة، أما الجبهة فلها اتجاهات متشددة فلا يمثل اعضاؤها إلا أنفسهم. ويضيف البنا قائلاً: «نحن في جو فيه كثير من الضياع والاحباط والفوضي، وهذا ما يظهر جليا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضاً، فلابد من تصحيح الأخطاء من الجذور فأي اصلاح وتعديل جزئي لا قيمة له، فنحن بحاجة إلي تغيير شامل وحقيقي، وبصراحة شديدة فالمثقفون لايملكون شيئا، فقد تركت الساحة لما يسمي ب «عصر الفضائيات» حيث انتشر الفكر الوهابي وامتلأت القنوات بمشايخ تفسير الاحلام. وللأسف فبدلا من أن يتصدي الأزهر لهؤلاء الذين يشوهون صحيح الدين فإنه يتصدي لنا نحن!! إذن لا حل جزئي فكل الحلول الجزئية ستهدر علي مذبح الفساد. ضرورة المواجهة أما الكاتب الصحفي والمؤرخ صلاح عيسي فيؤكد أن جبهة علماء الأزهر ليس لها صفة قانونية، وبياناتها لاسند لها قانونيا فهي تخص أعضاءها فقط ولجؤهم لهذا الاسلوب يضعنا أمام عملية أشبه ب «المنشورات السرية»، وفي تقديري أن هذه البيانات لا قيمة لها. ويري عيسي أن خطورة هذه البيانات تكمن فيمن تصدر ضدهم هذه البيانات فهي تمثل نوعا من التحريض علي العنف، وبالطبع الذي يمارس جريمة العنف يحاسب وكذلك من يحرض عليه. ولابد لقيادات الأزهر الشريف أن يأخذوا موقفا حاسما ضد هؤلاء الذين يتحدثون باسمه دون أن يكون لهم أي سند قانوني. ويشير صلاح عيسي إلي ضرورة تكاتف المثقفين لمواجهة مثل هذا التيار الظلامي من خلال تنظيمات المثقفين عبر جهات رسمية، وتفعيل قوانين جرائم النشر. أما المؤرخ د. عاصم الدسوقي فيري أن هؤلاء يقومون بعملية تشويه للأزهر الذي اشتهر علي مدي تاريخه انه يمثل صحيح الاسلام أي «الوسطية» وليس التطرف وقديما لم يندرج علماء الأزهر في الخلاف بين المالكية والشيعة. أما هذه الجبهة فلها أفكار متطرفة وتخدم أفكار الجهات المتطرفة وخاصة الدعوة الوهابية، فجزء كبير من اعضائها عمل في السعودية وجاء متأثرا بالدعوة الوهابية. هؤلاء - علي حد تعبير د. الدسوقي يموتون موتا طبيعيا - فالمزاج المصري معتدل و «ضد التطرف». وعلي سبيل المثال عندما جاءت مدارس تبشيرية للكاثوليكية والانجيلية بين الأرثوزوكس في مصر لم تحدث ثورة ولم يحدث احتجاج في الكنيسة الارثوزكسية، وكذلك بين المسلمين حين جاءت الشيعة وكذلك المالكية القادمة من المغرب، علما بأن المصريين كانوا في ذلك الوقت «شوافع» ينتمون للمذهب الشافعي، فالمذهب الفقهي حسب المجتمع. ويخشي د. عاصم الدسوقي من اختراق مثل هذه التيارات للقضاء، فالمفترض أن السلطة القضائية لابد فيها من التوازن في مواجهة هذا الاختراق. التنوير الزائف أما د. حسن طلب - استاذ الفلسفة بجامعة حلوان - فيري أن المثقفين لا يستطيعون - وحدهم - مواجهة هذه التيارات، خاص وان كثيرا من الجهات الرسمية مخترقة من قبل هذه التيارات السلفية. فكيف يواجه المثقفون وحدهم هذا التيار، فهم لا يستطيعون أن يواجهوا هذا التيار فرادي. ويمكنهم ذلك إذا ساعدتهم الدولة. لكن للأسف فإن الدولة تمسك العصا من المنتصف فهي تمالق هذه التيارات وتتركها تتغلغل في الوزارات لتحمي نفسها من منافستها علي السلطة. إذن يجد المثقفون - أنفسهم - في مواجهة هذه التيارات وجها لوجه. فالدولة ترفع شعار التنوير كقناع، مع أن التنوير يقتضي الامانة وليس سياسة المنح والمنع ويتساءل د. طلب ما الذي قدمته وزارة الثقافة لمفكرين أمثال فؤاد زكريا ونصر حامد أبو زيد كل ذلك جعل المثقف يفقد الثقة في المؤسسات الرسمية.