راحة البال لا يمكن أن تشتريها بأموال الدنيا ولا مناصب الدنيا، أما راحة الضمير فهي قمة السعادة وراحة البال بالفعل!! عاش أهالينا وجدودنا حياة مستورة بسيطة لم يكن ضمن مفرداتها هذا السباق المحموم الذي نراه ونعيشه الآن للحصول علي كل ملذات ولذات ومسرات الحياة، ومع ذلك لا أحد راض بحاله، ولا أحد ينعم براحة البال مثلما كان ينعم بها أهالينا!! أعرف نماذج عديدة من أثرياء هذه الأيام لا ينقصهم شيء لا المال ولا الجاه ولا النفوذ ولا العز ولا الجبروت، ومع ذلك ينقصهم ذلك الشيء السحري الذي اسمه راحة البال والسعادة!! إنهم في حالة شكوي وتذمر وسخط لا حدود له رغم العز والجاة والسلطان، بل إن البعض منهم يتجاسر ويحسد غلابة هذا الوطن علي ما يتمتعون به من نعمة راحة البال والستر، كأن «الكعكة في إيد اليتيم عجبة» كما يقول المثل الشعبي الجميل. وفي كتابه البديع «ثقوب في الضمير: نظرة علي أحوالنا» للدكتور «أحمد عكاشة» ذلك القيمة والقامة العلمية الغالية والعالية يقول: «لقد ثبت علميا أن النسيج الاجتماعي هو الضمان لجودة الحياة والرضا والسعادة والوقاية ضد القلق والاكتئاب بل ينبه قدرة المخ علي التفاعل مع كروب الحياة، بل إنه يزيد من خلايا المخ والموصلات العصبية المسئولة عن اللذة والسعادة. وتدل الأبحاث علي أن الإجهاد والكرب والاكتئاب يزيد من احتمال والوفاة أربع مرات عن المعدل الطبيعي، إن الكرب والقلق والاكتئاب والوحدة تؤثر علي عضلة وشرايين القلب وتزيد من كثافة الدم والتصاق الصفائح الدموية وتضعف جهاز المناعة! ومن أهم وأخطر ما يشير إليه الدكتور «أحمد عكاشة» وهو يتحدث عن جودة الحياة والنسيج الاجتماعي هو قوله: «ويركز الطب هذه الأيام علي الأدوية والجراحات، والعلاج الجيني ومضادات الميكروبات، والحقيقة أن الحب والحنان وخصوصية المشاعر هي جذور سعادتنا وتعاستنا، إن المساندة الاجتماعية والتواصل مع الآخرين لها تأثير قوي علي البقاء في الحياة وقد ثبت من خلال تصوير المخ أن الكروب والاكتئاب والعزلة تسبب ضمورا في خلايا المخ وبخاصة في الفص الخاص بالمزاج والتعلم والذاكرة والتكيف مع الحياة «فص فرس البحر» مما يؤثر فعلا في نسيج المخ، إن العلاج بمفرحات النفوس يقف الضمور ويساعد علي تكوين خلايا واتصالات عصبية جديدة! ولكن ما يهمنا هنا تأكيد البحوث علي أن وجود الحب والعاطفة يزيد من الاتصالات العصبية وأن الانعزال والوحدة يسببان ضمورا في المخ، فالتواصل الاجتماعي وعدم إيثار الذات والتمركز حول الآخرين له تأثيره علي الصحة النفسية والعصبية، إن الوحدة والانعزال تصيبان الفرد بأمراض القلب علي عكس هؤلاء ذوي التواصل الاجتماعي والعاطفي، ولا أعتقد أنه يوجد عامل يحمي من أمراض القلب سواء نوعية الطعام أو الرياضة أو عدم التدخين أو الأدوية والجراحة والعلاج الوراثي، إلخ، مثل الحب والتعاطف والتواصل، فقد ثبت أن الوحدة والحرمان يسببان سلوك التحطيم الذاتي غير المباشر وأن العزلة والوحدة تجعلان الإنسان يعيش الحياة يوما بيوم بعكس هؤلاء، الذين يعيشون في تجانس اجتماعي وتصبح المعادلة «عندما أشعر بالوحدة أتغذي بكميات كثيرة من الطعام والدهون وأدخن بشدة وذلك يحمي أعصابي ويخفف آلامي»، فعلي الرغم من اتباعك نظاما غذائيا خاصا وامتناعك عن التدخين، وممارسة الرياضة فمازالت الوحدة والحرمان العاطفي أحد أخطر أمراض القلب والموت المبكر. وفي إحدي الدراسات اتضح أن الرجال والنساء الذين ينعمون بالحب أقل عرضة لانسداد الشرايين التاجية، وفي بحث آخر كان السؤال: هل تظهر زوجتك حبها لك؟ وهؤلاء الذين أجابوا بنعم كانوا أقل عرضة للذبحات الصدرية!! وكذلك وجُد أن الرجال والنساء العزاب والمصابين بأمراض القلب والذين يعانون من الوحدة وعدم وجود الأذن الصاغية كانوا عرضة للوفاة ثلاث مرات أكثر من الذين يتمتعون بالتواصل والتعاطف. وأخيرا يقول د. عكاشة: وتؤكد المصداقية العلمية أن قيمة الحب والعلاقة الحميمية والرحمة والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين وهي قيم في كل الأديان والروحانيات لها تأثيرها الواقي من الاكتئاب والقلق وأمراض القلب. صح يا دكتور عكاشة، أكبر صح!