رغم تحديد موعد الانتخابات النيابية في أواخر شهر نوفمبر المقبل فإن ملامح المعركة الانتخابية لم تظهر بعد، ما يجري علي الساحة الآن ومنذ بعض الوقت من تحركات ولقاءات بين بعض القوي السياسية الشرعية وغيرها مثل لقاءات ممثلي الأحزاب مع جماعة الإخوان المحظورة والجمعيات السياسية الأخري لا يعدو أن يكون لقاءات لجس النبض أو لإرسال برقيات مشفرة إلي طرف ثالث، في كل الأحوال تتجه الأنظار إلي الحزب الحاكم لمطالبته تارة بإدارة عملية انتخابية نظيفة أو لمغازلته صراحة من أجل اقتسام المنفعة الانتخابية معه كل بقدر حجمه لا علي أساس قدرته. لست في حاجة إلي القول بأن كل ما يجري من أحداث بطيء وممل ولم يلفت نظر الشارع المصري وإن كان محل رصد ومتابعة من الدوائر الأجنبية التي تراقب ما يجري علي الساحة السياسية المصرية وما يسمي بالتحركات الديمقراطية بحذر نظر الأهمية انعكاسات ما يجري في مصر علي مستقبل المصالح الدولية في الشرق الأوسط. ما يثير المخاوف والانزعاج لدي الدوائر الدولية هو عجز مراكز الدراسات والبحوث عن التنبؤ بتطور الأحداث ، وما ثبت من خطأ التنبؤات التي انطلقت عبر بعض الوسائط الإعلامية يبشر أو ينذر بانتهاء صلاحية النظام الحاكم ويتنبأ بقرب سقوطه، كل تلك التنبؤات التي سيطرت علي عقول بعض المراقبين منذ أكثر من عشرين سنة، تبين أنها تستند إلي رغبات من يروج لها ولا إلي حقائق ذات جذور في الشارع المصري. أما الشارع المصري فهو لم يعول كثيرا علي ما تطرحه الجماعة السياسية المعارضة للحكومة، لعل الشارع ينظر باستغراب وتعجب لما يجري خاصة بالنسبة لجماعة الإخوان المحظورة المنسوب إليها الدعوة لإقامة نظام حكم يعتمد برنامج الدولة الدينية وينتقص من حقوق المواطنة للمخالفين للدولة في دينها الرسمي، فهذه الجماعة تم رفع الحظر عنها عمليا بوجودها علي الساحة السياسية وتصدرها لحركات المعارضة ولكن مع استمرار الحظر القانوني الذي يحرمها من المشاركة باسمها في المؤسسات الرسمية. الواضح جليا أمام أنظار الشارع الذي يتابع المسألة، أن نشاط الجماعة غير مطارد من جانب أجهزة الدولة ، بل إن رموز الجماعة يجدون مساحة واسعة في جميع البرامج الإعلامية التي يقدمها الإعلام الرسمي، ما يتم تطبيق الحظر عليه فقط هو استخدام الدعاية الدينية في الانتخابات، وعدم اعتراف المؤسسات الرسمية باسم الجماعة كعنوان علي نشاطها، كأن المقصود ليس استبعاد الجماعة من العملية السياسية وإنما دفعها إلي تصحيح وضعها القانوني باتخاذها الصفة الحزبية بدلا من شكل الجماعة الدعوية التي تعمل بالسياسة. علي أية حال سلوك الحزب الحاكم مع التجمعات المعارضة أيا كان اسمها لا ينبئ بخوفه منها أو بخشيته من تقدمها عليه في أي انتخابات مقبلة، فهو يمضي في تنفيذ مخططه لإحكام السيطرة علي مؤسسات الدولة غير عابئ باجتماعات المعارضة أو تحالفاتها أو تأكيدها بأنها تستولي علي جانب كبير من الشارع ، يبدو أن هذا البرود في التعامل مع المعارضة يثير جنونها ويدفع بعض عناصرها إلي البحث عن مخرج من أزمة الافتقار إلي الشعبية بالكلام عن التحالفات والاتفاقات وما أشبه. علي أي حال لا أظن أن الأوضاع اختلفت كثيرا عن الأوضاع قبل خمس سنوات إبان الانتخابات النيابية الماضية، فالجماعة المحظورة لا تزال محظورة قانونا ولم تنجح في تطوير نفسها والتحول إلي حزب سياسي ربما لأنها تدرك أن فرصتها كجماعة مع الحظر أفضل من فرصها إذا تحولت إلي حزب سياسي شرعي مثله مثل بقية الأحزاب يخضع لرقابة الدولة علي تنظيماته الداخلية ووسائل تمويله. الأحزاب الأخري الشرعية الرئيسية وغيرها معظمها مشغول بصراعات داخلية علي الرئاسة وغيرها، ولم ينجح في تطوير نفسه تنظيميا وترتيب أجندة جاذبة للجمهور، بل علي العكس لا تزال تلك الأجندة محصورة في مطالبة الدولة بتعديل الدستور أو توفير ضمانات لنزاهة الانتخابات كأن تلك الأحزاب لديها بالفعل جماهير مقهورة وممنوعة من ممارسة حقها الانتخابي. الحزب الوطني شغل نفسه كثيرا بالبناء الحزبي الداخلي، ربما نجح في ذلك، لكن الهجوم المركز علي سياسات حكومته وتعلق مطالب الملايين من العاملين بأجهزة الدولة بحقوق لهم عند الحكومة في مقدمتها موازنة الأجور التي يتقاضونها بالأسعار سريعة النمو بجنون، كل تلك العوامل تجعل جميع الأحزاب بلا استثناء ترسب بجدارة في اختبار الشعبية الجماهيرية.