تقوم الدنيا علي الاختلاف، الناس في الدنيا علي كل شكل ولون سمر وشقر وسود وصفر يعيشون في الحر وفي البرد يسكنون الأخضر واليابس. الصحاري والأنهار والبحار والجزر في الوديان وأعالي الجبال. وفوق مناطق البراكين والزلازل والأعاصير يتكلمون عدة لغات ولهم عدة ثقافات تتكون من مجموعات من العقائد والتقاليد والنظم ،ويترتب علي كل هذه الاختلافات الكثير من التناقضات وسوء الفهم والشك والظنون وتتعارض مصالحهم فيتعاركون بشتي السبل ليجعلوا هؤلاء المختلفين عنهم عبيدا وجواري يستحلون ثرواتهم وأملاكهم وأعراضهم، وصولا إلي ذبحهم وفي أحيان أخري قد تجمع المصالح بين مجموعة وأخري فيتكاتفون ويتعاونون معا ضد أهوال الطبيعة وكوارثها أو ضد مجموعة أخري من البشر. لكن أهم اختلاف نتفق فيه جميعا أننا علي جنسين مختلفين!. ذكر وأنثي،الإنسان وسائر الكائنات لكن الخلاف بين الجنسين هو ما يجذبهما لبعضهما البعض فيتكاملان وينتج عن ذلك بقاء النوع الإنساني وغير الإنساني. لكن هذه الجاذبية بينهما في لحظة تعود لطبيعة كل اختلاف فيتشاجران ويتقاتلان ويلعن كل منهما اللحظة التي أنجذب فيها للآخر!. وبعد أن كان يتغني بمن يحب يقتل هذا الحبيب أو يصبح هو عدوه الأول علي الأقل! لا يدرك البشر أن في اختلافهم رحمة بل عظمة. فهو لا يصنع حياتهم فقط بل هو ما يجعل هذه الحياة تتطور وتحقق المزيد من الارتقاء وما يجعل حياتهم تتكامل. فحتي الصحراء الجرداء تمد بقية البشر بالطاقة المدفونة تحت الأرض و التي تدير الماكينات والطائرات التي يخترعها غيرهم. والفلاحون في كل مكان يمدون الجميع بالطعام، وهذا التكامل كان يحدث أحيانا وما زال ، لكن عن طريق القسر والإجبار، وكانت الحجة ولا تزال أن هذا الآخر يختلف عني في اللغة والعادات والدين والثقافة واللون وليس من قبيلتي بل هو غريب فمن حقي أسره واستغلاله كما يستغل البشر الحيوان وكان يدعم هذا صعوبة المواصلات وقلة المعلومات. وهو ما هو أخذ في الاندثار ليصبح العالم في المستقبل قرية كبيرة ثم عمارة سكانها هم كل البشر. بينما فهم بعض الناس ميزة الاختلاف. فمازال البعض لا يدركه خذ أغلبية الرجال في منطقتنا يشتكون ويلعنون النساء كل صباح ويسعون خلفهن كل مساء وتسمع نفس الشكوي واللعنات من نسائهم صباح مساء!. وهكذا تتجدد حياتنا بفضل الاختلاف وفي نفس الوقت نلعنه ونرفضه وندعو إلي عالم بلا أي اختلاف كأننا ندعو لعالم من الرجال فقط أو النساء فقط. أي تناقض وأي اختلال في العقل يجعل المرء يؤمن بهذا؟.أو يتمني أن نخرج النساء من جنس الإنسان ونحولها إلي مجرد حيوان يفضل ألا ينطق أو حتي يموء كالقطط كذلك يفكر من يريد أن يفرض دينه سواء كان دين الأغلبية أو الأقلية علي كل سكان الكوكب! ولو اقتضي الأمر تدمير الآخر بالسيف أو بالمدفع ويريد كل من يؤمن بثقافة ما أو سياسة ما فرض هذه أو تلك علي الجميع بالحيلة وبالغش وبالقوة إذا لزم الأمر فتتحول الدعوة والبيانات والمنشورات في لحظة إلي تشهير وسب وقذف وتكفير ثم قنابل وعمليات استشهاد أو تلفيق للتهم والتعذيب والسجن والإعدام. بالطبع يتخذ بعض البشر من اختلاف الآخر عن قومه مجرد ذريعة وحجة للمعارك بكل أشكالها بغرض الحصول علي المغانم والأسلاب وينجحون في إدخال هذه الحجة في أذهان البسطاء ويستخدمونهم وقودا لهذه المعارك أما الذين يدركون الخدعة ويعرفون ميزات الاختلاف فهم علي أنواع منهم من يخاف أن يعلن رأيه المخالف لأن الجبن سيد الأخلاق ومنهم لا يؤمن بشيء ولا يهمه أي شيء إلا مصلحته فهو لا يبحث فقط عن الأمان بل إلي الربح بأكبر عائد منه والنفاق هو وسيلته وهو عقيدته الوحيدة. الخائف قد نشفق عليه فهو عادة ينشأ علي الجبن منذ طفولته. وهو يكتفي بالسكوت. فإذا قلنا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس. فالمنافق شيطان ناطق ومؤثر وهو يوسوس للناس بما لا يؤمن به وهو فرفور يعمل عند المخادع والمستغل الأكبر، كل ما يطلبه بعض الفتات الذي يتساقط منه. أما الذي يدفعه الخوف غير المبرر إلي أن يصبح منافقا وهو يعلم أنه كاذب فهو المشكلة. وهم يشكلون نسبة كبيرة من مجموع ما نسميه بالنخبة ويتكون من المتعلمين والمثقفين الذين يكتبون ويخطبون في الناس. منهم من يخاف الحكومة ويريد أن يكسب منها ومنهم من يخاف المعارضة ويريد أن يكسب منها حتي لو جاءت من خارج حدود بلده. أفهم أن يكون هذا أو ذاك كافرا بالحكومة وبالمعارضة ولا يهمه الأمر بالمرة لكني لا أفهم كيف يمكن للمرء أن يكون علي يقين من أن الأرض كروية ويمشي يهتف أن الأرض مستوية وبدون أن يكون مضطرا لهذا إلا أن يكون مريضا نفسيا. أفهم أن لا يكون للمرء أي شأن بكرة القدم فيهتف يوما للأهلي ويوما للزمالك حسب المصلحة . لكن كيف يمكن وهو الأهلاوي الصميم أو الزملكاوي الصميم أن يصرخ فرحا بكل هدف يحرزه المنافس في فريقه؟ كيف يواصل الحياة علي هذا النحو؟، كيف يواجه أولاده أو يواجه نفسه ؟، كيف يعيش وهو يرفض أن يكون نفسه؟ أو يكرهها علي ما لا تريد وكيف يتصالح معها؟ هل يجد معني أو طعما لهذه الحياة؟. بالطبع يحيا هاربا من إلقاء الأسئلة علي نفسه منشغلا بأن يجعل بقية الناس علي شاكلته.يقنع نفسه أننا في مصحة كبيرة للأمراض النفسية و هو أعقل من فيها وينظر معهم من خلف الأسوار التي أغلقوها علي أنفسهم بمحض إرادتهم إلي من يعيشون خارجها ويجاهرون بالاختلاف علي أنهم مجانين ربنا يشفي.