اختار ياسر أبو شوالي الشاعر والباحث الفلكلوري مدخلا يبدو معروفا في دراسته لأشكال وأنواع الرياضات البدنية والذهنية التي ظهرت في حكايات رواة السيرة الهلالية علي مر العصور، في كتابه "الرياضة في السيرة الهلالية" الصادر لدي الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة الدراسات الشعبية، يريدنا أن نتفق علي أن السيرة الشعبية ليست واحدة، وأنها تفقد مع مرور الوقت طابعها الأصلي، ربما يضيع مصدرها الأساسي أو تشوه حكايتها الأصلية، ذلك أن راوي السيرة يتلاعب بالتاريخ لكي ينقل للجمهور مجموعة قيم تتناسب مع العصر، وبهذا المدخل يستنتج المؤلف أن أشكال الرياضات في سيرة بني هلال غير أكيدة مائة بالمائة، إلي درجة أن الراوي ينسب لبطل السيرة "أبو زيد الهلالي" قوي خارقة وبطولات ربما لم تكن فيه، أو يضيف إلي أجواء السيرة رياضات لم يعرفها بنو هلال في حياتهم ولم تكتشف بعد في وقت ظهورهم أصلا. تحت عنوان "آليات صنع الرجال"، يقدم الروائي خيري شلبي لهذا الكتاب الشيق خفيف الموضوع، حيث يري أن الرياضة قرينة البطولة والمجد والعزة والكرامة والفروسية والقتال، وهو ما ارتبط دائما برواية السيرة الهلالية التي نتعرف من خلالها علي صنوف من التربية والفكر الاجتماعي والتربوي، مبثوثة في ألعاب ورياضات جديرة ببناء الأبطال بدنيا ونفسيا وثقافيا. في هذا الكتاب يأتي الحديث عن الرياضة والألعاب من خلال استحضار الجوهر الدرامي والإنساني للسيرة الهلالية، فالمؤلف كما يقول خيري شلبي لا يتحدث عن موضوعه من باب الهواية، بل هو متأهل له علميا، أولا تخرجه في كلية التربية البدنية، وحصوله علي دبلوم الدراسات العليا في الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون، وأخيرا مادة هذا الكتاب في الأساس هي موضوع رسالة ماجستير، مما جعله بحث علمي بمذاق الأدب. يلقي هذا البحث الضوء علي العلاقة بين الإطارين التاريخي والفني للسيرة الهلالية، ويطرق الباحث بابا جديدا من أبواب السيرة هو الرياضة، ومحاولة كشف دور السيرة الدرامي وأهميتها في تجسيد مفهوم البطولة وصفات الأبطال، ويتطرق البحث في النهاية إلي الأشكال المختلفة التي وظف بها المبدع الشعبي الرياضة والأنشطة البدنية، ويناقش الجذور المعرفية للرياضة في ثقافة مبدع السيرة. تحت عنوان "السيرة الهلالية تاريخ أم فن؟"، يعرف الباحث السيرة بأنها خلق فني شعبي يعتمد علي التاريخ واللغة ويمزج الشعر بالنشر بالأداء الصوتي والغناء والعزف، يؤدي شفاهة أمام الجمهور ويعتمد علي الأداء الحركي البسيط للمؤدي، لتحقيق هدف نهائي هو التأكيد علي قيم وسلوكيات مجتمعية أدت إلي بطولة الأبطال وانتصاراتهم، وبينما لا يري الباحث أهمية لمعرفة متي وقعت الأحداث التاريخية لسيرة بني هلال بالضبط؟ في القرن الثالث أو الرابع الهجري أو حتي الخامس، لكن الأهم من وجهة نظره هو إنتاج السيرة كعمل فني، وهو الذي تم حسب تأكيده بعد ذلك التاريخ بكثير، مما يجعل السيرة عملا أدبيا يعاد إنتاجه وصياغته مع كل إلقاء له، فأديب السيرة ليس مؤرخا ولا ناقلا للأحداث بجمود وحياد تأمين، إنما هو مبدع يتكئ علي التاريخ كإطار لطرح تصوراته، أي ما يسمي بالإسقاط التاريخي أو تطويع التاريخ. يشرح أبو شوالي ارتباط البطولة في السيرة الهلالية بمنظومة أخلاقية مثالية عامة: كالشجاعة والإقدام والثقة بالنفس، وغيرها من صفات النموذج الأخلاقي للبطولة في الريف والصعيد المصري، وهذا ما يؤكد التصرف الذي يلجأ إليه مبدع السيرة، بحيث يستلهم تاريخ أبطال العرب بشكل محسوب، يمنحه فرصة لتجسيد وتصوير آماله وتطلعاته الشخصية في قالب قصصي ممتع ومقنع. الرياضة في السيرة "فاترينة عرض"، فوفق منطق الهروب من المواجهة عار أكبر من الهزيمة يختصر المؤلف نتائج بحثه، باعتبار أن الدهاء أيضا قرين البطولة، والإيحاء وإيهام وتمويه العدو بالقدرات الخارقة، هي إحدي صفات أو أشكال الرياضات كما تظهر في السيرة الهلالية، فالمؤلف يعتبر سيرة بني هلال نموذجا بطوليا فريدا يجمع بين القوة والدهاء، بين الفروسية والشطارة، وغيرها من صفات بدنية، فضلا عن التركيبة النفسية لبطل السيرة "أبو زيد الهلالي" عبر اقتران البطولة بالخلق والتدين، ومن هنا كرست البطولة في أحداث سيرة بني هلال لدعم الأخلاق وتحقيق مبدأ العدالة. أما بتحليل الجذور العربية والإسلامية ل"رياضات البادية" كما يسميها المؤلف، يستعرض الكتاب الممارسات الرياضية والتدريب علي أعمال ومهارات الحرب كالصيد والمبارزة وركوب الخيل، فيما استخدمت الرياضة في موضع آخر في السيرة كوسيلة ترفيه مثل الشطرنج والسيجة، أو الأغرب كوسيلة للإعلان عن توقيع معاهدة أو إنهاء خصومة بين قبيلتين مثل رياضة "البرجاس" أو رمي هدف ما من علي الخيل، التي تظهر في السيرة احتفالا بعقد صلح بين طرفين متخاصمين، وهذه الرياضة بالتحديد هي ما أشرنا إليه بخصوص الرياضات التي توظف في السيرة الهلالية بالرغم من أن «بنو هلال» لم يمارسوها علي أرض الواقع