علي الرغم من أن الزواج في الكنيسة الأرثوذكسية سر من أسرارها وهذا يعني أنه من أقدس الأمور بداخلها وهو ما تنادي به الكنيسة الآن في أثناء مواجهتها لأزمتها مع القضاء وهي تسعي جاهدة لصدور قانون جديد للأحوال الشخصية للمسيحيين فإنها لا تقوم بزرع قدسية الزواج داخل أبنائها ورعيتها. فالكنيسة الأرثوذكسية عندما واجهت حكم الرومان الطاغي هرب الكثيرون إلي البرية إلي أن جاء القديس أنطونيوس الكبير الذي اتبع الآية التي تقول: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع كل مالك وتعال اتبعني» والتي اعتبرها دعوة صريحة ليذهب إلي البرية وهناك أسس الرهبنة. ومن هذه النقطة اعتبرت الكنيسة الأرثوذكسية الرهبنة رمزًا واضحًا للعفة والطهارة ومن يدخل في دربها هو الذي اختار الحياة مع الله ليدخل الملكوت، وبالتالي أصبح الزواج هو العكس أو النقيض، فدون أن تشعر غرست الكنيسة الأرثوذكسية في أبنائها قدسية الرهبنة وأصبح الزواج مفهومًا يرتبط بالجنس فمن لا يستطيع أن يقمع رغبته الجنسية يتزوج، متجاهلين أن الله هو الذي وضع هذه الغريزة في الإنسان ليكثر ويثمر الأرض، وأصبح الراهب سواء الكاهن أو البطريرك أو الأسقف شخصًا مقدسًا فقط لأنه استطاع أن يقمع شهوته، وأكبر دليل علي ذلك أنه عندما يقر إنسان بعدم قدرته علي الاستمرار في الرهبنة وينزل إلي العالم ليتزوج، يصبح في نظر الناس ساقطًا، انتصرت شهوته الجنسية عليه، وخضع لغريزته الحيوانية. وعلي الرغم من أن آباء الكنيسة بهم الكثيرون من المتزوجين أمثال سارة وإبراهيم فإنه عندما تروي قصتهم في فصول مدارس الأحد تذكر أخطاءهم مثل قصة زواج إبراهيم وهاجر وغيرها علي عكس عندما تروي قصة أي راهب أو قديس تبتل فنجد دائما حياة النصرة علي الشهوة هي المسيطرة ولذلك كانت آراء أغلب الشباب الذين قابلناهم وقمنا بسؤالهم حول أيهما أقدس بالنسبة لهم الزواج أم الرهبنة وكانت آرائهم حاسمة فتقول «مارتينا عادل» 23 سنة: طبعا الرهبنة أكثر قداسة فالزواج قمة الشهوانية ففيه يتعلق الإنسان بطرف آخر يكون هو محور حياته بدلاً من التركيز علي الله وحده من خلال الخدمة فكثيرون يتركون الخدمة، أو يغيبون عنها بعد الزواج بسبب وجود اهتمامات أخري لها الأولوية في الحياة. كما أن الزواج مرتبط بشكل أساسي بفكرة «الجنس» وهذه نظرة كل المصريين، وقد تعلمنا منذ الصغر أنه «عيب» و«حرام» أما الرهبنة ففيها يهب الإنسان كل ماله لله ولا يشغله بيت أو أسرة أو شهوة وبالتالي تكون أكثر قداسة وقربًا لله. بينما اعتبر «مينا لمعي» الرهبنة وعدًا صريحًا من الله بالدخول للفردوس مبررًا قوله بالآية: «بع كل مالك وتعالي واتبعني»، ولذلك فهو يري أن الرهبنة أكثر قداسة وتقرب الإنسان من الله وتزيد من قامته الروحية، أما الزواج فهو سر مقدس يتعهد فيه الزوجان بالحياة معًا في السراء والضراء وهذا ما أكدته الآية فيترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا، ولذلك فإن العلاقة الجسدية بينهم تكون مقدسة وطاهرة، ولكننا تعلمنا في المنزل والمدرسة ومدارس الأحد أن كل جنس هو «خطيئة» ولم يشرح لنا أن الجنس في الزواج مختلف وليس خطأ والشخص المحظوظ فقط هو من وجد شخصًا يشرح له حقيقة الجنس في الزواج وقداسة العلاقة الزوجية. واتفق «ميخائيل ممدوح» معه قائلاً: الزواج والرهبنة حياة شركة ففي الزواج تتحول الأسرة إلي كنيسة صغيرة يكون فيها الرجل رأس المرأة كما أن المسيح هو رأس الكنيسة، ولذلك فإن العلاقة الزوجية هي حياة شركة فيها يبذل كل طرف نفسه للآخر وهذا ما أكدته الآية «ليوفي الرجل المرأة حقها وكذلك المرأة أيضًا فليس للمرأة تسلط علي جسدها بل للرجل وكذلك الرجل أيضًا» ولذلك فإن الزواج هو اسمي علاقة تكلم عنها الإنجيل أما الرهبنة فهي حياة شركة من نوع آخر كما أنها تقليد آبائي فيها يبذل الفرد حياته من أجل إخوته في الدير ويترك كل ماله وأسرته. وأوضحت «ماريان جرجس» أن هناك خلطًا بين الشباب فيما يتعلق بارتباط البتولية بالقداسة والزواج بالنجاسة والسبب في ذلك أننا في مدارس الأحد لم نأخذ نماذج لقديسين أو شهداء متزوجين ودائمًا كان الخدام يقولون لنا أن القديس «الفلان» أخذ اكليلاً للبتولية بالرغم من وجود قديسين وشهداء متزوجين، وفي المقابل مثلاً تجد التركيز علي أن الزواج بالرغم من أنه سر مقدس إلا أنه لا يسمح بالتناول إلا بعد الامتناع عن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وشرط الصوم والابتعاد عن الجنس أيضًا بالرغم من أن الإنجيل قال: «ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير دنس» وهو ما أدي إلي خلط في المفاهيم عند الشباب وتشكيل توجه لديهم بأن الجنس حرام ولكي يدخلوا الفردوس عليهم بالبتولية. بينما فرق «مارك عدلي» بين الجنس في الزواج وخارجه قائلاً الجنس في الزواج مقدس أما خارجة فهو زني والذي يحدث هو اختلاط مفهوم الجنس المقدس بالزني وعدم التفرقة بينهم وهو ما جعل بعض المتزوجين يمتنعون عن مناقشة علاقاتهم الجنسية مع بعضهم علي اعتبار أنه عيب مما يؤدي إلي تفاقم المشكلات بينهم ووجود فجوة كبيرة في العلاقة الجسدية ورفضهم الحصول علي استشارة أسرية التي أصبحت تدخل في إطار المحرمات لدي البعض، موضحا أن هذا المفهوم ترسخ لدي كثيرين من الشباب بعد أن امتنعت الكنيسة من خلال خدام مدارس الأحد في توضيح المفاهيم وتصحيحها وخاصة في مرحلة المراهقة التي يحتاجون فيها للتوجيه والتوضيح وأيضا الأسرة مسئولة عن هذا الخلط بعد أن امتنعت عن توجيه أبنائها وعدم الإجابة عن اسئلتهم المتعلقة بالجنس مكتفية بقولهما لما تكبر هتعرف وعيب تتكلم في الحاجات ديه. وأضاف مايكل يوحنا: الرهبنة بالطبع أكثر قداسة ففيها يتفرغ الإنسان لله فقط ويكون نظره موجهاً نحو هدف واحد وهو الوصول للحياة الأبدية أما الزواج فيتحول بنظرنا لتلبية احتياجنا الجنسي والمعنوي. كما أن الزواج في نظر كثيرين وسيلة لتحصينهم من الخطأ واشباع الرغبات بطريقة سليمة وهذا ليس بخطأ فالجنس هو محور الزواج والتوافق الجنسي هو أساس الزواج السليم أما الرهبنة فالطهارة والبتولية أساسها فلا توجد مقارنة، فالقداسة في الرهبنة والبتولية أكثر شمولا فهي لا تتضمن فقط عفة الجسد وإنما القلب واللسان والنفس وهي أشياء لا يمكن أن تجدها في الزواج.